العقيم العاقر وذلك يدل على أنه ما وقف على تلك الأحوال إلا من إخبار مريم ، وإذا كان كذلك ، وإذا ثبت أن تلك الخوارق ما كانت معجزة لزكريا ـ عليهالسلام ـ فلم يبق إلّا أنها كانت لمريم عليهاالسلام إما بسبب ابنها أو لعيسى عليه الصلاة والسلام كرامة لمريم ، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل.
قال أبو علي الجبائي : لم لا يجوز أن يقال تلك الخوارق كانت معجزات زكريا ـ عليهالسلام ـ لوجهين :
الأول : أن زكريا دعا لها على الإجمال أن يوصل الله إليها رزقها ، وأنه كان غافلا عما يأتيها من الأرزاق من عند الله ، فإذا رأى شيئا بعينه في وقت معيّن قال لها : أنّى لك هذا؟ فقالت هو من عند الله ، فعند ذلك يعلم أن الله أظهر بدعائه تلك المعجزة.
الثاني : يحتمل أن يكون زكريا شاهد عند مريم رزقا معتادا ، إلا أنه كان يأتيها من السماء ، وكان زكريا يسألها عن ذلك ، حذرا من أن يكون يأتيها من عند إنسان يبعثه إليها ، فقالت : هو من عند الله لا من عند غيره.
وأيضا لا نسلم أنه كان قد ظهر على مريم شيء من الخوارق ، بل معنى الآية أن الله ـ تعالى ـ كان قد سبب لها رزقا على أيدي المؤمنين الذين كانوا يرغبون في الانفاق على الزاهدات العابدات ، فكأن زكريا عليه الصلاة والسلام لمّا رأى شيئا من ذلك خاف أنه ربّما أتاها ذلك الرزق من جهة لا ينبغي ، فكان يسألها عن كيفية الحال.
والجواب عن الأول والثاني : أنه لو كان معجزا لزكريا لكان زكريا مأذونا له من عند الله في طلب ذلك ، ومتى كان مأذونا له في ذلك الطلب كان عالما ـ قطعا ـ بأنه يحصل ، وإذا علم ذلك امتنع أن يطلب منها كيفية الحال ، ولم يكن لقول : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) فائدة.
والجواب عن الثالث : أنه ـ على هذا التقدير ـ لا يبقى لاختصاص مريم بمثل هذه الواقعة وجه.
أيضا فإن كان في قلبه احتمال أنه ربما أتاها هذا الرزق من الوجه الذي لا يليق ، فبمجرد إخبارها كيف يعقل زوال تلك التهمة؟ فسقطت هذه الأسئلة.
واحتج المعتزلة على امتناع الكرامات بأنها دلالات صدق الأنبياء ، ودليل النّبيّ لا يوجد مع غير النبي ، كما أن الفعل المحكم ـ لما كان دليلا على العلم لا جرم ـ لا يوجد في حقّ غير العالم.
والجواب من وجوه :
الأول : أن ظهور الفعل الخارق للعادة دليل على صدق المدّعي ، فإن ادّعى صاحبه النبوة ، فذلك الفعل الخارق للعادة يدل على كونه نبيّا ، وإن ادّعى الولاية ، فذلك يدل على كونه وليّا.