«فنادته» بتاء التأنيث ـ باعتبار الجمع المكسّر ، فيجوز في الفعل المسند إليه التذكير باعتبار الجمع ، والتأنيث باعتبار الجماعة ، ولتأنيث لفظ «الملائكة» مع أن الذكور إذا تقدّم فعلهم ـ وهم جماعة ـ كان التأنيث فيه أحسن ؛ كقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ). ومثل هذا (إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) [الأنفال : ٥٠] تقرأ بالتاء والياء ، وكذا قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ) [المعارج : ٤].
قال الزجاج : يلحقها التأنيث للفظ الجماعة ، ويجوز أن يعبّر عنها بلفظ التذكير ؛ لأنه ـ تعالى جمع الملائكة ، وهكذا قوله : (وَقالَ نِسْوَةٌ) [يوسف : ٣٠].
وإنما حسن الحذف ـ هنا ـ للفصل بين الفعل وفاعله.
وقد تجرأ بعضهم على قراءة العامة ، فقال : «أكره التأنيث ؛ لما فيه من موافقة دعوى الجاهلية ؛ لأن الجاهلية زعمت أن الملائكة إناث».
روى إبراهيم قال : كان عبد الله بن مسعود يذكّر الملائكة في كلّ القرآن.
قال أبو عبيد : «نراه اختار ذلك ؛ خلافا على المشركين ؛ لأنهم قالوا : الملائكة بنات الله».
وروى الشعبيّ أن ابن مسعود قال : «إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء».
وتجرأ أبو البقاء على قراءة الأخوين ، فقال : وكره قوم قراءة التأنيث لموافقة الجاهلية ، ولذلك قرأ «فناداه» بغير تاء ـ والقراءة غير جيّدة ؛ لأن الملائكة جمع ، وما اعتلوا ليس بشيء ؛ لأن الإجماع على إثبات التاء في قوله : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ).
وهذان القولان ـ الصادران من أبي البقاء وغيره ـ ليسا بجيّدين ؛ لأنهما قراءتان متواترتان ، فلا ينبغي أن ترد إحداهما ألبتة.
والأخوان على أصلهما من إمالة «فناداه». والرسم يحتمل القراءتين معا ـ أعني : التذكير والتأنيث والجمهور على أن الملائكة المراد بهم واحد ـ وهو جبريل.
قال الزّجّاج : أتاه النداء من هذا الجنس الذين هم الملائكة ، كقولك : فلان يركب السّفن ـ أي : هذا الجنس كقوله تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) [النحل : ٢] يعني جبريل «بالرّوح» يعني الوحي. ومثله قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) [آل عمران : ١٧٣] وهو نعيم بن مسعود ، وقوله : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) يعني أبا سفيان. ولما كان جبريل ـ عليهالسلام ـ رئيس الملائكة أخبر عنه إخبار الجماعة ؛ تعظيما له.
قيل : الرئيس لا بدّ له من أتباع ، فلذلك أخبر عنه وعنهم ، وإن كان النداء قد صدر منه ـ قاله الفضل بن سلمة ـ ويؤيد كون المنادي جبريل وحده قراءة عبد الله ـ وكذا في مصحفه ـ فناداه جبريل.