وأمّا المعقول فهو أن الأصل في الثابت بقاؤه على ما كان ، والنسخ على خلاف الأصل.
وأجيبوا بأن هذا منسوخ بقوله ـ «تناكحوا تناسلوا» (١) وقوله : «لا رهبانيّة في الإسلام» (٢). وقوله عليه الصلاة والسلام : «النّكاح سنّتي وسنّة الأنبياء من قبلي ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» (٣).
وقولهم : النسخ على خلاف الأصل.
قلنا : مسلم إذا لم يعلم الناسخ ، وقد علمناه.
قوله : (وَنَبِيًّا) اعلم أن السيادة إشارة إلى أمرين :
أحدهما : القدرة على ضبط مصالح الخلق فيما يرجع إلى تعليم الدين.
والثاني : ضبط مصالحهم في تأديبهم ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.
والحصور إشارة إلى الزهد التام ، فلما اجتمعا حصلت النبوة ؛ لأنه ليس بعدهما إلا النبوة.
قوله : (مِنَ الصَّالِحِينَ) صفة لقوله : (وَنَبِيًّا) فهو في محل نصب ، وفي معناه ثلاثة أوجه :
الأول : معناه من أولاد الصالحين.
الثاني : أنه خيّر ـ كما يقال للرجل الخيّر : إنه من الصالحين.
الثالث : أن صلاحه كان أتمّ من صلاح سائر الأنبياء ؛ لقوله ـ عليهالسلام ـ : «ما من نبيّ إلّا عصى وهمّ بمعصية إلّا يحيى بن زكريا ، فإنه لم يعص ولم يهمّ بمعصية» (٤).
فإن قيل : إن كان منصب النبوة أعلى من منصب الصلاح ، فما الفائدة في ذكر منصب الصلاح بعد ذكر النبوة؟
فالجواب : أن سليمان ـ بعد حصول النبوة ـ قال : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل : ١٩].
__________________
(١) ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (٢ / ٥٢٨) وقال : قال ابن حجر لم أجده بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند البيهقي إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة.
(٢) أخرجه ابن ماجه (١ / ٥٩٢) كتاب النكاح باب ما جاء في فضل النكاح رقم (١٨٤٦).
قال البوصيري في «الزوائد» إسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف عيسى بن ميمون المديني.
(٣) أخرجه أحمد ٢ / ٢٥٤ ، والحاكم ٢ / ٥٩١ من طريق علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس رفعة «ما من آدمي إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة أو عملها إلا أن يكون يحيى بن زكريا لم يهم بخطيئة ولم يعملها».
وقال الذهبي في التلخيص : إسناده جيد.
وقال الهيثمي في المجمع ٨ / ٢١٢ : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ... والطبراني ، وفيه علي بن زيد وضعفه الجمهور ، وقد وثق ، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.