وقيل : إنها لم تستبعد من قدرة الله شيئا ، ولكن أرادت : كيف يكون هذا الولد؟ من قبل زوج في المستقبل؟ أم يخلقه الله ابتداء.
قوله : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). تقدم الكلام فيه.
قال ابن جريج : نفخ جبريل في جيب درعها وكمّها ، فحملت من ساعتها بعيسى.
وقيل : وقع نفخ جبريل ـ عليهالسلام ـ في رحمها ، فعلقت بذلك.
وقال بعضهم : لا يجوز أن يكون الخلق من نفخ جبريل ؛ لأن الولد يكون بعضه من الملائكة وبعضه من الإنس ؛ ولكن سبب ذلك ، أن الله تعالى لما خلق آدم وأخذ الميثاق من ذريته ، فجعل بعض الماء في أصلاب الآباء ، وبعضه في أرحام الأمّهات ، فإذا اجتمع الماءان صار ولدا ، وإن الله ـ تعالى ـ جعل الماءين جميعا في مريم ، بعضه في رحمها ، وبعضه في صلبها ، فنفخ جبريل ، ليهيج شهوتها ، فإن المرأة ما لم تهج شهوتها لم تحبل فلما هاجت شهوتها بنفخ جبريل وقع الماء ـ الذي كان في صلبها ـ في رحمها ، فاختلط الماءان ، فعلقت بذلك ، فذلك قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
قوله : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ) قرأ نافع وعاصم ويعقوب (وَيُعَلِّمُهُ) ـ بياء الغيبة (١) ـ والباقون بنون المتكلم المعظم نفسه ، وعلى كلتا القراتين ففي محل هذه الجملة أوجه :
أحدها : أنها معطوفة على «يبشّرك» أي : أن الله يبشرك بكلمة ويعلم ذلك المولود المعبّر عنه بالكلمة.
الثاني : أنها معطوفة على «يخلق» أي : كذلك الله يخلق ما يشاء ويعلمه. وإلى هذين الوجهين ، ذهب جماعة منهم الزمخشريّ وأبو علي الفارسيّ ، وهذان الوجهان ظاهران على قراءة الياء ، وأما قراءة النون ، فلا يظهر هذان الوجهان عليها إلا بتأويل الالتفات من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم ، إيذانا بالفخامة والتعظيم.
فأما عطفه على «يبشّرك» فقد استبعده أبو حيّان جدّا ، قال : «لطول الفصل بين المعطوف ، والمعطوف عليه» ، وأما عطفه على «يخلق» فقال : «هو معطوف عليه سواء كانت ـ يعني «يخلق» خبرا عن الله أم تفسيرا لما قبلها ، إذا أعربت لفظ «الله» مبتدأ ، وما قبله خبر».
يعني أنه تقدم في إعراب (كَذلِكِ اللهُ) في قصة زكريا أوجه :
أحدها ما ذكره ـ ف «يعلّمه» معطوف على «يخلق» بالاعتبارين [المذكورين](٢) ؛ إذ
__________________
(١) وقرأ بها عاصم ، وأبو جعفر.
ينظر : السبعة ٢٠٦ ، والكشف ١ / ٣٤٤ ، والحجة ٣ / ٤٣ ، وحجة القراءات ١٦٣ ، وإتحاف ١ / ٨ ، ٤ ، والعنوان ٧٩ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٥٧ ، وشرح شعلة ٣١٤.
(٢) سقط في أ.