لا مانع من ذلك ، وعلى هذا الذي ذكره أبو حيّان وغيره ، تكون الجملة الشرطية معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، والجملة من «نعلّمه» ـ في الوجهين المتقدمين ـ مرفوعة المحل ، لرفع محل ما عطفت عليه.
الثالث : أن يعطف على «يكلّم» فيكون منصوبا على الحال ، والتقدير : يبشّرك بكلمة مكلّما ومعلّما الكتاب ، وهذا الوجه جوزه ابن عطيّة وغيره.
الرابع : أن يكون معطوفا على «وجيها» ؛ لأنه في تأويل اسم منصوب على الحال ، وهذا الوجه جوّزه الزمخشريّ.
واستبعد أبو حيّان هذين الوجهين الأخيرين ـ أعني الثالث والرابع ـ قال : «لطول الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يقع مثله في لسان العرب».
الخامس : أن يكون معطوفا على الجملة المحكية بالقول : ـ وهي (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
قال أبو حيّان (١) : «وعلى كلتا القراءتين هي معطوفة على الجملة المقولة ؛ وذلك أن الضمير في (قال كذلك) لله ـ تعالى ـ والجملة بعده هي المقولة ، وسواء كان لفظ (الله) مبتدأ خبره ما قبله ، أم مبتدأ ، وخبره «يخلق» ـ على ما مر إعرابه في (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) ـ فيكون هذا من القول لمريم على سبيل الاغتباط ، والتبشير بهذا الولد ، الذي أوجده الله منها».
السادس : أن يكون مستأنفا ، لا محلّ له من الإعراب.
قال الزّمخشريّ ـ بعد أن ذكر فيه أنه يجوز أن يكون معطوفا على «يبشّرك» أو يخلق أو «وجيها» ـ : «أو هو كلام مبتدأ» يعني مستأنفا.
قال أبو حيّان (٢) : «فإن عنى أنه استئناف إخبار عن الله ، أو من الله ـ على اختلاف القراءتين ـ فمن حيث ثبوت الواو لابد أن يكون معطوفا على شيء قبله ، فلا يكون ابتداء كلام إلا أن يدّعى زيادة الواو في وتعلمه ، فحينئذ يصحّ أن يكون ابتداء كلام ، وإن عنى أنه ليس معطوفا على ما ذكر ، فكان ينبغي أن يبين ما عطف عليه ، وأن يكون الذي عطف عليه ابتداء كلام ، حتى يكون المعطوف كذلك».
قال شهاب الدين (٣) : «وهذا الاعتراض غير لازم ؛ لأنه لا يلزم من جعله كلاما مستأنفا أن يدّعى زيادة الواو ، ولا أنه لا بد من معطوف عليه ؛ لأن النحويين ، وأهل البيان نصّوا على أن الواو تكون للاستئناف ، بدليل أن الشعراء يأتون بها في أوائل أشعارهم ، من غير تقدّم شيء يكون ما بعدها معطوفا عليه ، والأشعار مشحونة بذلك ، ويسمونها واو
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤٨٤.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤٨٥.
(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ٩٩.