الاستئناف ، ومن منع ذلك قدّر أنّ الشاعر عطف كلامه على شيء منويّ في نفسه ، ولكن الأول أشهر القولين».
وقال الطبريّ : قراءة الياء عطف على قوله : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ ،) وقراءة النون ، عطف على قوله : (نُوحِيهِ إِلَيْكَ).
قال ابن عطية : «وهذا الذي قاله في الوجهين مفسد للمعنى». ولم يبين أبو محمد وجه إفساد المعنى.
قال أبو حيّان (١) : «أما قراءة النون ، فظاهر فساد عطفه على «نوحيه» من حيث اللفظ ومن حيث المعنى ، أما من حيث اللفظ فمثله لا يقع في لسان العرب ؛ لبعد الفصل المفرط ، وتعقيد التركيب وتنافي الكلام ، وأما من حيث المعنى فإنّ المعطوف بالواو شريك المعطوف عليه في المعنى ، فيصير المعنى بقوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ ،) أي : إخبارك يا محمد بقصة امرأة عمران وولادتها لمريم ، وكفالة زكريا ، وقصته في ولادة يحيى ، وتبشير الملائكة لمريم بالاصطفاء والتطهير كل ذلك من أخبار الغيب ـ نعلمه ، أي : نعلم عيسى الكتاب ، فهذا كلام لا ينتظم [معناه] مع معنى ما قبله.
أما قراءة الياء وعطف «ويعلّمه» على «يخلق» فليست مفسدة للمعنى ، بل هو أولى وأصحّ ما يحمل عطف «ويعلّمه» لقرب لفظه وصحة معناه ـ وقد ذكرنا جوازه قبل ـ ويكون الله أخبر مريم بأنه ـ تعالى ـ يخلق الأشياء الغريبة التي لم تجر العادة بمثلها ، مثلما خلق لك ولدا من غير أب ، وأنه ـ تعالى ـ يعلّم هذا الولد الذي يخلقه لك ما لم يعلّمه من قبله من الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، فيكون في هذا الإخبار أعظم تبشير لها بهذا الولد ، وإظهار بركته ، وأنه ليس مشبها أولاد الناس ـ من بني إسرائيل ـ بل هو مخالف لهم في أصل النشأة ، وفيما يعلمه ـ تعالى ـ من العلم ، وهذا يظهر لي أنه أحسن ما يحمل عليه عطف ويعلّمه» اه.
قال أبو البقاء (٢) : «يقرأ ـ نعلمه ـ بالنون ، حملا على قوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) ويقرأ بالياء ؛ حملا على «يبشّرك» وموضعه حال معطوفة على «وجيها».
قال أبو حيّان (٣) : وقال بعضهم : «ونعلّمه» ـ بالنون ـ حملا على «نوحيه» ـ إن عني بالحمل العطف فلا شيء أبعد من هذا التقدير ، وإن عني بالحمل أنه من باب الالتفات فهو صحيح».
قال شهاب الدين (٤) : «يتعين أن يعني بقوله : حملا ؛ الالتفات ليس إلا ، ولا يجوز أن يعني به العطف لقوله : وموضعه حال معطوفة على «وجيها» وكيف يستقيم أن يريد
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤٨٥.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٣٥.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤٨٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٢ / ١٠٠.