«جئتكم» ، أي : جئتكم [ملتبسا بآية](١). والثاني : أن يكون متعلقا بنفس المجيء ، أي : جاءتكم الآية .. والآية : العلامة.
فإن قيل : لم قال «بآية» وقد أتى بآيات؟
فالجواب : أن المراد بالآية : الجنس.
وقيل : لأن الكل دل على شيء واحد ، وهو صدقه في الرسالة.
قوله : (مِنْ رَبِّكُمْ) صفة ل «آية» فيتعلق بمحذوف ، أي : بآية من عند ربكم ، ف «من» للابتداء مجازا ، ويجوز أن يتعلق (مِنْ رَبِّكُمْ) بنفس المجيء ـ أيضا.
وقدر أبو البقاء الحال ـ في قوله : «بآية» ـ بقوله : «محتجا بآية ، إن عنى من جهة المعنى صح ، وإن عنى من جهة الصناعة لم يصحّ ؛ إذ لم يضمر في هذه الأماكن ، إلا الأكوان المطلقة».
وقرأ الجمهور (بِآيَةٍ) ـ بالإفراد ـ في الموضعين ، وابن مسعود (٢) ـ : بآيات ـ جمعا ـ في الموضعين.
قوله : (أَنِّي أَخْلُقُ) قرأ نافع بكسر (٣) الهمزة ، والباقون بفتحها ، فالكسر من ثلاثة أوجه :
أحدها : على إضمار القول ، أي : فقلت : إني أخلق.
الثاني : أنه على الاستئناف.
والثالث : على التفسير ، فسر بهذه الجملة قوله : «بآية» ، كأن قائلا قال : وما الآية؟
فقال هذا الكلام.
ونظيره قوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران : ٥٩] ثم قال : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ف «خلقه» مفسرة للمثل ؛ ونظيره ـ أيضا قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [المائدة : ٩] ثم فسر الوعد (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ). وهذا الوجه هو الصائر إلى الاستئناف ؛ فإن المستأنف يؤتى به تفسيرا به لمجرد الإخبار بما تضمنه ، وفي الوجه الثالث نقول : إنه متعلّق بما تقدمه ، مفسّر له.
وأما قراءة الجماعة ففيها أربعة أوجه :
أحدها : أنها بدل من (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) فيجيء ، فيها ما تقدم في تلك ؛ لأن حكمها حكمها.
__________________
(١) في أ : جاءتكم آية.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٣٨ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٨٧ ، والدر المصون ٢ / ١٠٣.
(٣) انظر : السبعة ٢٠٦ ، والكشف ١ / ٣٤٤ ، والحجة ٣ / ٤٣ ، والعنوان ٧٩ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٣ ، وحجة القراءات ١٦٤ وشرح الطيبة ٤ / ١٥٨ ، وشرح شعلة ٣١٤ ، وإتحاف ١ / ٤٧٩.