وقال أبو البقاء : «فيكون ـ أي فيصير ـ فيجوز أن يكون «كان» هنا ـ التامة ؛ لأن معناها «صار» بمعنى : انتقل ، ويجوز أن تكون الناقصة ، و «طائرا» ـ على الأول ـ حال ، وعلى الثاني ـ خبر».
قال شهاب الدّين : «ولا حاجة إلى جعله إياها ـ في حال تمامها ـ بمعنى «صار» التامة التي معناها معنى «انتقل» بل النحويون إنما يقدرون التامة بمعنى حدث ، ووجد ، وحصل ، وشبهها وإذا جعلوها بمعنى «صار» فإنما يعنون «صار» الناقصة».
وقرأ نافع ويعقوب (١) فيكون طائرا ـ هنا وفي المائدة ـ والباقون «طيرا» في الموضعين.
فأما قراءة نافع فوجّهها بعضهم بأنّ المعنى على التوحيد ، والتقدير : فيكون ما أنفخ فيه طائرا ولا يعترض عليه بأن الرسم الكريم إنما هو «طيرا» ـ دون ألف ـ لأن الرسم يجوّز حذف مثل هذه الألف تخفيفا ويدل على ذلك أنه رسم قوله تعالى : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨٣] ولا طير ـ دون ألف ـ ولم يقرأه أحد «طائر» ـ بالألف ـ فالرسم محتمل ، لا مناف.
قال بعضهم كالشارح لما تقدم ـ : ذهب نافع إلى نوع واحد من الطير ؛ لأنه لم يخلق غير الخفّاش ، وزعم آخرون أن معنى قراءته : يكون كل واحد مما أنفخ فيه طائرا ، قال : كقوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور : ٤] أي اجلدوا كل واحد منهم وهو كثير من كلامهم.
وأما قراءة الباقين فمعناها يحتمل أن يراد به اسم الجنس ـ أي : جنس الطير ـ ويحتمل أن يراد به الواحد فما فوقه ، ويحتمل أن يراد به الجمع ، ولا سيما عند من يرى أن طيرا صيغة جمع نحو ركب وصحب وتجر ؛ جمع راكب وصاحب وتاجر ـ وهو الأخفش ـ وأما عند سيبويه فهي عنده أسماء جموع ، لا جموع صريحة وتقدم الكلام على ذلك في البقرة. وحسن قراءة الجماعة لموافقتها لما قبلها ـ في قوله : (مِنَ الطَّيْرِ) ـ ولموافقة الرسم لفظا ومعنى.
قوله : (بِإِذْنِ اللهِ) يجوز أن يتعلق ب «طيرا» ـ على قراءة نافع ، وأما على قراءة غيره فلا يتعلق به ؛ لأن «طيرا» اسم جنس ، فيتعلق بمحذوف على أن صفة ل «طيرا» أي : طيرا ملتبسا بطذن الله ـ بتمكينه وإقداره.
قال أبو البقاء : متعلق ل «يكون». وهذا إنما يظهر إذا جعل «كان» تامة ، وأما إذا جعلها ناقصة ففي تعلّق الظرف بها الخلاف المشهور.
__________________
(١) انظر : السبعة ٢٠٦ ، والكشف ١ / ٣٤٥ ، والحجة ٣ / ٤٤ ، والعنوان ٧٩ ، وحجة القراءات ١٦٤ ، وشرح شعلة ٣١٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٥٩ ، وإتحاف ١ / ٤٧٩.