بعضه. ولذلك أدخل عليه «من» التي تقتضي التبعيض ، فإذا صار المعنى : أني أخلق بعض الطين ، عاد الضّمير عليه من غير إشكال ، ولكنّ الواحدي جعل «من» في الطين لابتداء الغاية ، وهو الظّاهر.
قال أبو حيّان : «وقرأ بعض القرّاء «فأنفخها» (١). أعاد الضمير على الهيئة المحذوفة ؛ إذ يكون التقدير : هيئة كهيئة الطير ، أو على الكاف ـ على المعنى ـ إذ هي بمعنى مماثلة هيئة الطير ، فيكون التأنيث هنا كما هو في آية المائدة : (فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً) ويكون في هذه القراءة قد حذف حرف الجر ، كما حذف في قوله : [البسيط]
١٤٧٦ ـ ما شقّ جيب ولا قامتك نائحة |
|
ولا بكتك جياد عند أسلاب (٢) |
وقول النابغة : [البسيط]
١٤٧٧ ـ ............ |
|
كالهبرقيّ تنحّى ينفخ الفحما (٣) |
يريد ولا قامت عليك ، وينفخ في الفحم. وهي قراءة شاذة ، نقلها الفرّاء».
قال شهاب الدين : «وعجبت منه ، كيف لم يعزها ، وقد عزاها صاحب الكشّاف إلى عبد الله ، قال : وقرأ : «أعبد الله» فأنفخها» (٤).
قوله : (فَيَكُونُ) في «يكون» وجهان :
أحدهما : أنها تامة ، أي : فيوجد ، ويكون «طيرا» ـ على هذا ـ حالا.
والثاني : أنها ناقصة ، و «طيرا» خبرها. وهذا هو الذي ينبغي أن يكون ؛ لأن في وقوع اسم الجنس حالا لا حاجة إلى تأويل ، وإنما يظهر ذلك على قراءة نافع «طائرا» ؛ لأنه ـ حينئذ ـ اسم مشتق.
وإذا قيل بنقصانها ، فيجوز أن تكون على بابها ، ويجوز أن تكون بمعنى «صار» الناقصة ، كقوله : [الطويل]
١٤٧٨ ـ بتيهاء قفر والمطيّ كأنّها |
|
قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها (٥) |
أي صارت.
__________________
(١) انظر : البحر المحيط ٢ / ٤٨٨ ، والدر المصون ٢ / ١٠٥.
(٢) البيت ليزيد بن ربيعة ينظر ديوانه ص ٨٣ وضرائر الشعر ص ١٤٦ ومعاني القرآن للفراء ١ / ٢١٥ والبحر ٢ / ٤٨٨ والدر المصون ٢ / ١٠٥.
(٣) عجز بيت وصدره :
مولي الريح روقيه وجيهته
ينظر ديوانه (١١٠) والكشاف ١ / ٤٣١ والدر المصون ٢ / ١٠٥ والبحر المحيط ٢ / ٤٨٨.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٣٦٤.
(٥) تقدم برقم ٣٨٧.