وقرأ الزهري ومجاهد وأبو السّمّال وأيوب السختياني (١) «تذخرون» ـ بسكون الذّال المعجمة ، وفتح الخاء جاءوا به مجردا على فعل ، يقال : ذخرته ـ أي : خبّأته.
ومن العرب من يقلب تاء الافتعال ـ في هذا النحو ـ ذالا معجمة ، فيقول : اذّخر يذخر ـ بذال معجمة مشددة ، ومثله اذّكر فهو مذّكر. وسيأتي إن شاء الله تعالى.
قال أبو البقاء : والأصل في «تدّخرون» تذتخرون ، إلّا أنّ الذال مجهورة ، والتاء مهموسة ، فلم يجتمعا ، فأبدلت التاء دالا ؛ لأنها من مخرجها ؛ لتقرب من الذال ، ثم أبدلت الذال دالا ، وأدغمت. و «في بيوتكم» متعلق ب «تدّخرون».
فصل
في الآية قولان :
أحدهما : قال السّديّ : كان عيسى عليهالسلام في الكتّاب يحدّث الغلمان بما يصنع آباؤهم ، ويقول للغلام : انطلق فقد أكل أهلك كذا وكذا ، ورفعوا لك كذا وكذا ، فينطلق الصبيّ إلى أهله ، ويبكي لهم ، حتى يعطوه ذلك الشيء ، فيقولون من أخبرك بهذا؟ فيقول : عيسى ، فحبسوا صبيانهم عنه ، وقالوا : لا تلعبوا مع هذا الساحر ، فجمعوهم في بيت فجاء عيسى ، وطلبهم ، فقالوا : ليسوا هاهنا. فقال : ما في هذا البيت قالوا : خنازير ، قال عيسى : كذلك يكونون ، ففتحوا عليهم فإذا هم خنازير ، ففشا ذلك في بني إسرائيل ، فهمت به بنو إسرائيل ، فلما خافت عليه أمّه ، حملته على حمار لها ، وخرجت هاربة به إلى مصر (٢).
قال قتادة : إنما كان هذا في المائدة ، وكان خوانا ينزل عليهم أينما كانوا كالمنّ والسّلوى وأمروا أن لا يخونوا ولا يخبئوا لغد ، فخانوا وخبّأوا ، فجعل عيسى يخبرهم بما أكلوا من المائدة وبما ادّخروا ، فمسخهم الله خنازير (٣).
وقال القرطبيّ : إنه لمّا أحيا لهم الموتى طلبوا منه آية أخرى ، وقالوا : أخبرنا بما نأكل في بيوتنا ، وبما ندخر للغد ، فأخبرهم ، فقال : يا فلان ، أكلت كذا وكذا ، وادّخرت كذا وكذا ، وأنت يا فلان ، أكلت كذا وكذا وادّخرت كذا وكذا.
فصل
اعلم أن الإخبار عن الغيب على هذا الوجه معجزة ؛ وذلك لأن المنجّمين الذين
__________________
(١) انظر المحرر الوجيز ١ / ٤٤٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٩٠ ، والدر المصون ٢ / ١٠٨.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٦١) عن سعيد بن جبير وعزاه لسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦) عن قتادة وأخرجه أيضا (٦ / ٤٣٦) عن عمار بن ياسر.
وذكر أثر عمار السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٦١) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.