يعني أنهم ظاهرون على اليهود ، وغيرهم من الكفار بالغلبة في الدنيا ، فأما يوم القيامة ، فيحكم الله بينهم ، فيدخل الطائع الجنّة ، والعاصي النّار وليس المعنى على انقطاع ارتفاع المؤمنين على الكافرين بعد الدنيا ، وانقضائها ؛ لأن لهم استعلاء آخر غير هذا الاستعلاء.
قال أبو حيّان : «والظاهر أن «إلى» تتعلق بمحذوف وهو العامل في «فوق» وهو المفعول الثاني ل «جاعل» إذ معنى «جاعل» هنا مصيّر ، فالمعنى كائنين فوقهم إلى يوم القيامة. وهذا على أن الفوقية مجاز ، أما إن كانت الفوقية حقيقة ـ وهي الفوقية في الجنة ـ فلا تتعلق «إلى» بذلك المحذوف ، بل بما تقدم من «متوفّيك» أو من «رافعك» أو من «مطهّرك» إذ يصح تعلّقه بكل واحد منها ، أما تعلقه ب «رافعك» أو ب «مطهّرك» فظاهر ، وأما ب «متوفّيك» فعلى بعض الأقوال».
يعني ببعض الأقوال أن التوفي يراد به : قابضك من الأرض من غير موت ، وهو قول جماعة ـ كالحسن والكلبي [وابن جريج](١) وابن زيد وغيرهم (٢). أو يراد به ما ذكره الزمخشريّ : وهو مستوف أجلك ، ومعناه : إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ، ومؤخّرك إلى أجل كتبته لك ، ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيدي الكفار ، وإن على قول من يقول : إنه توفّ حقيقة فلا يتصوّر تعلّقه به ؛ لأن القائل بذلك لم يقل باستمرار الوفاة إلى يوم القيامة ، بل قائل يقول : إنه توفّي ثلاث ساعات ، بقدر ما رفع إلى سمائه حتّى لا يلحقه خوف ولا ذعر في اليقظة. وعلى هذا الذي ذكره أبو حيان يجوز أن تكون المسألة من الإعمال ، ويكون قد تنازع في هذا الجار ثلاثة عوامل ، وإذا ضممنا إليها كون الفوقية مجازا تنازع فيها أربعة عوامل ، والظاهر أنه متعلق ب «جاعل». وقد تقدم أن أبا عمرو يسكن ميم «أحكم» ونحوه قبل الباء.
فصل
قال قتادة والربيع والشعبيّ ومقاتل والكلبيّ : الذين اتبعوه هم أهل الإسلام الذين صدقوه (٣) واتبعوا دينه في التوحيد من أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم فهم فوق الذين كفروا ظاهرين بالعزة ، والمنعة ، والحجّة.
قال الضحاك : يعني الحواريين.
وقيل : هم الروم (٤).
__________________
(١) في أ : ابن جرير.
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٦٢ ـ ٤٦٣) عن قتادة والحسن والربيع والسدي وابن جريج.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٦٥) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد.
وأخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن كما في «الدر المنثور» (٢ / ٦٥).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٦٣) عن السدي.