الإله ما حل في بدني وفي بدنك ، وفي بدن كلّ حيوان ، ونبات وجماد؟ فقال : الفرق ظاهر ؛ وذلك أني إنما حكمت بذلك الحلول ؛ لأنّه ظهرت تلك الأفعال العجيبة عليه ، والأفعال العجيبة ما ظهرت على يديّ وعلى يديك ، فعلمنا أنّ ذلك الحلول ـ هاهنا ـ مفقود ، فقلت له : تبين الآن أنك ما عرفت معنى قولي : إنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول ، وذلك أنّ ظهور تلك الخوارق دالة على حلول الإله في بدن عيسى ، فعدم ظهور الخوارق مني ومنك ليس فيه إلا أنه لم يوجد ذلك الدليل فإذا تبيّنّا أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول لا يلزم من عدم ظهور تلك الخوارق مني ومنك عدم الحلول في حقي وفي حقك ، بل في حقّ الكلب والسّنّور والفأر ، ثم قلت: إن مذهبا يؤدي إلى تجويز القول بحلول ذات الله في بدن الكلب والذباب لفي غاية الخسّة والرّكاكة.
الوجه الخامس : أن قلب العصا حيّة أبعد في العقل من إعادة الميت حيّا ؛ لأن المشاكلة بين بدن الحي وبدن الميت أكثر من المشاكلة بين الخشبة وبين بدن الثعبان ، فإذا لم يوجب قلب العصا حية كون موسى إلها ، ولا ابنا للإله ، فبأن لا يدل إحياء الموتى على الإلهية كان أولى.
قوله : (تَعالَوْا) العامة على فتح اللام ؛ لأنه أمر من تعالى يتعالى ـ كترامى يترامى ـ وأصل ألفه ياء وأصل هذه [الياء](١) واو ؛ وذلك أنه مشتقّ من العلوّ ـ وهو الارتفاع كما سيأتي بيانه في الاشتقاق ـ والواو متى وقعت رابعة فصاعدا قلبت ياء فصار «تعالوا» تعالي ، فتحرك حرف العلّة ، وانفتح ما قبله ، فقلبت ألفا فصار «تعالي» ـ كترامى وتعادى ـ فإذا أمرت منه الواحد ، قلت : تعال يا زيد ـ بحذف الألف ـ وكذا إذا أمرت الجمع المذكر قلت : تعالوا ؛ لأنك لما حذفت الألف لأجل الأمر أبقيت الفتحة مشعرة بها. وإن شئت قلت : الأصل : تعاليوا ، وأصل هذه الياء واو ـ كما تقدم ـ ثم استثقلت الضمة على الياء ، فحذفت ضمتها ، فالتقى ساكنان ، فحذف أوّلهما ـ وهو الياء ـ لالتقاء الساكنين ونزلت الفتحة على حالها.
وإن شئت قلت : لما كان الأصل تعاليوا تحرك حرف العلّة ، وانفتح ما قبله ـ وهو الياء ـ فقلب ألفا ، فالتقى ساكنان ، فحذف أولهما ـ وهو الألف ـ وبقيت الفتحة دالة عليه.
والفرق بين هذا وبين الوجه الأول أن الألف ـ في الوجه الأول ـ حذفت لأجل الأمر ـ وإن لم تتصل به واو ضمير ، وفي هذا حذفت لالتقائها مع واو الضمير.
وكذلك إذا أمرت الواحدة تقول لها : تعالي ، فهذه الياء ، هي ياء الفاعلة من جملة الضمائر ، والتصريف كما تقدم ، إلا أنك تقول هنا : الكسرة على الياء بدل الضمة هناك.
__________________
(١) في ب : الكلمة.