أن يقال : هو من باب : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ،) ثم قال : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصر والمعونة والتوفيق والإكرام.
فصل
روى الكلبيّ وابن إسحاق حديث هجرة الحبشة لما هاجر جعفر بن أبي طالب ، وأناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الحبشة ، واستقرّت بهم الدّار ، وهاجر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ، وكان من أمر بدر ما كان ، اجتمعت قريش في دار الندوة ، وقالوا : إن لنا في الذين عند النجاشي ـ من أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ـ ثأرا ممن قتل منكم ببدر ، فاجمعوا مالا ، وأهدوه إلى النجاشيّ ؛ لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي رأيكم ، فبعثوا عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد مع الهدايا ، فركبا البحر ، وأتيا الحبشة ، فلما دخلا على النجاشيّ سجدا له ، وسلما عليه ، وقالا له : إنّ قومنا لك ناصحون شاكرون ، ولصلاحك محبّون ، وإنهم بعثونا لنحذّرك هؤلاء الذين قدموا عليك ؛ لأنهم قوم رجل كذّاب ، خرج فينا يزعم أنه رسول الله ، ولم يتابعه أحد منا إلّا السّفهاء ، وإنا كنا ضيّقنا عليهم الأمر ، وألجأناهم إلى شعب بأرضنا ، لا يدخل عليهم أحد ، ولا يخرج منهم أحد ، حتى قتلهم الجوع والعطش ، فلمّا اشتدّ عليهم الأمر بعث إليك ابن عمّه ، ليفسد عليك دينك وملكك ورعيّتك ، فاحذرهم ، وادفعهم إلينا ، لنكفيكهم ، قالوا : وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيّونك بالتحية التي يحيّيك بها الناس رغبة عن دينك وسنّتك.
فدعاهم النجاشيّ ، فلمّا حضروا صاح جعفر بالباب : يستأذن عليك حزب الله ، فقال النجاشيّ : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل جعفر ، فقال النجاشيّ : نعم ، فليدخلوا بأمان الله وذمته ، فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه ، فقال : ألا تسمع؟ يرطنون ب «حزب الله» وما أجابهم به النجاشي!!! فساءهما ذلك ، ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك؟ فقال لهم النجاشيّ : ما منعكم أن تسجدوا لي وتحيّوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق؟ قالوا : نسجد لله الذي خلقك وملكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأصنام ، فبعث الله فينا نبيّا صادقا ، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله ، وهي السلام ، وتحية أهل الجنّة ، فعرف النجاشيّ أن ذلك حقّ ، وأنه في التوراة والإنجيل ، فقال : أيكم الهاتف : يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر : أنا ، قال : فتكلم ، قال : إنك ملك من ملوك أهل الأرض ، ومن أهل الكتاب ، ولا يصلح عندك كثرة الكلام ، ولا الظلم ، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي ، فمر هذين الرجلين ، فليتكلّم أحدهما ، ولينصت الآخر ، فيسمع محاورتنا ، فقال عمرو لجعفر : تكلّم ، فقال جعفر للنجاشيّ : سل هذين الرجلين أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم ، فقال النجاشيّ : أعبيد هم أم أحرار؟