فقال لا ، بل أحرار كرام ، فقال النجاشيّ : نجوا من العبوديّة ، ثم قال جعفر : سلهما هل لهم فينا دماء بغير حق ، فيقتصّ منا؟ فقال عمرو : لا ، ولا قطرة.
قال جعفر : سلهما ، هل أخذنا أموال الناس بغير حق ، فعلينا قضاؤها ـ قال النجاشيّ : إن كان قنطارا فعلي قضاؤه ـ فقال عمرو : لا ، ولا قيراط ، فقال النجاشيّ : فما تطلبون منهم؟ قال عمرو كنا وهم على دين واحد ـ دين آبائنا ـ فتركوا ذلك ، واتّبعوا غيره ، فبعثنا إليك قومنا لتدفعهم إلينا ، فقال النجاشيّ : ما هذا الدين الذي كنتم عليه ، الدين الذي اتبعتموه؟
قال : أما الدين الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ، ونعبد الحجارة ، وأما الدين الذي تحوّلنا إليه فدين الله الإسلام ، جاءنا به من الله رسول ، وكتاب مثل كتاب ابن مريم ، موافقا له.
فقال النجاشيّ : يا جعفر ، تكلمت بأمر عظيم ، فعلى رسلك ، ثم أمر النجاشيّ ، فضرب بالنّاقوس ، قد اجتمع إليه كلّ قسّيس وراهب ، فلما اجتمعوا عنده ، قال النجاشيّ : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيّا مرسلا؟ فقالوا : اللهم نعم ، قد بشرنا به عيسى ، وقال : من آمن به فقد آمن بي ، ومن كفر به فقد كفر بي.
قال النجاشيّ لجعفر : ماذا يقول لكم هذا الرجل؟ وما يأمركم به ، وما ينهاكم عنه؟ قال: يقرأ علينا [كتاب الله](١) ، ويأمرنا بالمعروف ، وينهانا عن المنكر ، ويأمر بحسن الجوار ، وصلة الرّحم ، وبرّ اليتيم ، وأمرنا أن لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له ، فقال : اقرأ عليّ مما يقرأ عليكم ، فقرأ سورتي العنكبوت والرّوم ، ففاضت عينا النجاشيّ وأصحابه من الدّمع ، وقالوا : زدنا يا جعفر من هذا الحديث الطيب ، فقرأ عليهم سورة الكهف ، فأراد عمرو أن يغضب النجاشيّ ، فقال : إنهم يشتمون عيسى ابن مريم وأمّه ، فقال النجاشيّ : ما تقولون في عيسى وأمّه ، فقرأ عليهم جعفر سورة «مريم» ، فلما أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النجاشيّ نفاثة من سواكه قدر ما يقذي العين قال : والله ما زاد المسيح على قول هذا ، ثم أقبل على جعفر وأصحابه ، فقال : اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي ، آمنون ، من سبّكم وآذاكم غرم ، ثم قال : أبشروا ، ولا تخافوا ، فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم ، قال عمرو : يا نجاشيّ ، ومن حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم ، فأنكر ذلك المشركون ، وادّعوا في دين إبراهيم ، ثم ردّ النجاشيّ على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه ، وقال : إنما هديّتكم إليّ رشوة ، فاقبضوها ؛ فإن الله ـ تعالى ـ ملّكني ولم يأخذ مني رشوة ، قال جعفر :
__________________
(١) سقط في أ.