وروى أبو هريرة عن النبي : «ثلاثة لا يكلّمهم الله ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : رجل حلف يمينا على مال مسلم ، فاقتطعه ، ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر أنّه أعطي بسلعته أكثر ممّا أعطي وهو كاذب ـ ورجل منع فضل ماء ، فإن الله ـ تعالى ـ يقول : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» (١).
وقيل : جاء رجل من حضر موت ورجل من كندة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال الحضرميّ : يا رسول الله ، إن هذا قد غلبني على أرض لي ـ كانت لأبي ـ فقال الكنديّ : هي أرضي في يدي ، أزرعها ، ليس له فيها حقّ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم للحضرميّ : ألك بيّنة؟ قال لا ، قال : فلك يمينه قال : يا رسول الله ، إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه ، قال ليس لك منه إلا ذلك ، فانطلق ليحلف ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أدبر «أما لئن حلف على ما ليس له ليأكله ظلما ليلقينّ الله وهو عنه معرض» (٢).
قال علقمة : أما الكنديّ فهو عمرو بن القيس بن عابس الكنديّ ، وخصمه ربيعة بن عبدان الحضرميّ ، روى أبو أمامة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من اقتطع حقّ امرىء مسلم ـ بيمينه ـ حرّم الله عليه الجنّة وأوجب له النّار ، قالوا : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك» قالها ثلاث مرات (٣).
قوله : (أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أي : لا نصيب لهم في الآخرة ونعيمها ، وهذا مشروط بالإجماع بعد التوبة ، فإذا تاب عنها سقط الوعيد ـ بالإجماع ـ وشرط بعضهم عدم العفو ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، (وَلا يُكَلِّمُهُمُ) أي : كلاما ينفعهم ، ويسرهم.
وقيل : لمعنى الغضب ، كما يقول الرجل : إني لا أكلم فلانا ـ إذا كان قد غضب عليه ـ قاله القفال.
ثم قال : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : لا يرحمهم ، ولا يحسن إليهم ، ولا
__________________
ـ (٧ / ٢٤٥) وأحمد (٢ / ٤٨٠ ، ٥ / ١٥٨ ، ١٦٢ ، ١٦٨) والبيهقي (٤ / ١٩١ ـ ٥ / ٣٣٠ ـ ٦ / ١٥٢ ـ ٨ / ١٦١ ـ ١٧٧) والبغوي في «شرح السنة» (٤ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧) عن أبي ذر مرفوعا.
وقال الترمذي : حديث أبي ذر حديث حسن صحيح.
(١) أخرجه البخاري (١٣ / ٤٣٣) كتاب التوحيد باب قول الله تعالى «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ» (٧٤٤٦) ومسلم (١ / ١٠٣) كتاب الإيمان : باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار .... الخ (١٧٣ ـ ١٠٨) والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٤٢٢) عن أبي هريرة مرفوعا.
(٢) أخرجه مسلم كتاب الأيمان رقم (٢٢٣) وأبو داود كتاب الأيمان والنذور باب التغليظ في الأيمان الفاجرة رقم (٣٢٤٥) والترمذي (٣ / ٦٢٥) كتاب الأحكام : باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. رقم (١٣٤٠).
(٣) أخرجه مسلم كتاب الأيمان رقم (٢١٨) والنسائي (٨ / ٢٤٦) : وأبو عوانة (١ / ٣٢) وأحمد (٥ / ٢٦٠) والبيهقي (١٠ / ١٧١) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ٨٦).