قال أبو حيّان : «وفيه خدش لطيف جدّا» وحاصل ما ذكر : أنهم إن أرادوا تفسير المعنى فيمكن أن يقال ، وإن أرادوا تفسير الإعراب فلا يصح ؛ لأن كلّا منهما ـ أعني : الشرط والقسم ـ بطلب جوابا على حدة ، ولا يمكن أن يكون هذا محمولا عليهما ؛ لأن الشرط يقتضيه على جهة العمل ، فيكون في موضع جزم ، والقسم يطلبه على جهة التعلّق المعنويّ به من غير عمل ، فلا موضع له من الإعراب ، ومحال أن يكون الشيء له موضع من الإعراب ولا موضع له من الإعراب. [وتقدم هذا الإشكال وجوابه](١).
الوجه الخامس : أن أصلها «لمّا» ـ بالتشديد ـ فخفّفت ، وهذا قول أبي إسحاق وسيأتي في قراءة التشديد ، وقرأ حمزة لما ـ بكسر اللام ، خفيفة الميم ـ أيضا ـ وفيها أربعة أوجه:
أحدها : وهو أغربها ـ أن تكون اللام بمعنى «بعد».
كقول النابغة : [الطويل]
١٥٣٠ ـ توهّمت آيات لها فعرفتها |
|
لستّة أعوام وذا العام سابع (٢) |
يريد : فعرفتها بعد ستة أعوام ، وهذا منقول عن صاحب النّظم.
قال شهاب الدين : «ولا أدري ما حمله على ذلك؟ وكيف ينتظم هذا كلاما؟ إذ يصير تقديره : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين بعد ما آتيتكم ، ومن المخاطب بذلك؟».
الثاني : أن اللام للتعليل ـ وهذا الذي ينبغي أن لا يحاد عنه ـ وهي متعلّقة ب «لتؤمنن» و «ما» حينئذ ـ مصدرية.
قال الزمخشري : «ومعناه : لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ، ثم لمجيء رسول مصدق لتؤمنن به على أن «ما» مصدرية ، والفعلان معها ـ أعني : «آتيناكم» و «جاءكم» ـ في معنى المصدرين ، واللام داخلة للتعليل ، والمعنى : أخذ الله ميثاقهم ليؤمنن بالرسول ، ولينصرنه ، لأجل أن آتيتكم الكتاب والحكمة ، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم ، غير مخالف لكم».
قال أبو حيان : وظاهر هذا التعليل الذي ذكره ، والتقدير الذي قدره أنه تعليل للفعل المقسم فإن عنى هذا الظاهر ، فهو مخالف لظاهر الآية ؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أن يكون تعليلا لأخذ الميثاق ، لا لمتعلّقه ـ وهو الإيمان ـ فاللام متعلقة ب «أخذ» وعلى ظاهر تقدير الزمخشريّ تكون متعلقة بقوله : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) ويمتنع ذلك من حيث إن اللام المتلقّى بها القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها تقول : والله لأضربن زيدا ، ولا يجوز : والله زيدا لأضربن ، فعلى هذا لا يجوز أن تتعلق اللام في «لما» بقوله : «لتؤمنن».
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) تقدم برقم ٤٢٢.