ـ في «به» ـ تعود على المبتدأ ، ولا تعود على «رسول» لئلّا يلزم خلوّ الجملة الواقعة خبرا من رابط يربطها بالمبتدأ.
الوجه الثالث : كما تقدم ، إلا أن اللام في «لما» لام التوطئة ؛ لأن أخذ الميثاق في معنى الاستخلاف. وفي «لتؤمنن» لام جواب القسم ، هذا كلام الزمخشريّ. ثم قال : و «ما» تحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط ، و «لتؤمننّ» سادّ مسدّ جواب القسم والشرط جميعا ، وأن تكون بمعنى الذي. وهذا الذي قاله فيه نظر ؛ من حيث إن لام التوطئة تكون مع أدوات الشرط ، وتأتي ـ غالبا ـ مع «إن» أما مع الموصول فلا يجوز في اللام أن تكون موطّئة وأن تكون للابتداء. ثم ذكر في «ما» الوجهين ، لحملنا كل واحد على ما يليق به.
الوجه الرابع : أن اللام هي الموطئة ، و «ما» بعدها شرطية ، ومحلها النصب على المفعول به بالفعل الذي بعدها ـ وهو «آتيناكم» ، وهذا الفعل مستقبل معنى ؛ لكونه في جزاء الشرط ، ومحله الجزم ، والتقدير : والله لأي شيء آتيتكم من كذا وكذا ليكونن كذا ، وقوله : (مِنْ كُتُبٍ)، كقوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة : ١٠٦] وقد تقدم تقريره. وقوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) عطف على الفعل قبله ، فيلزم أن يكون فيه رابط يربطه بما عطف عليه ، و «لتؤمننّ» جواب لقوله : (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) وجواب الشرط محذوف ، سدّ جواب القسم مسدّه ، والضمير في «به» عائد على «رسول» ، كذا قال أبو حيّان.
قال شهاب الدين : «وفيه نظر ؛ لأنه يمكن عوده على اسم الشرط ، ويستغنى ـ حينئذ ـ عن تقديره رابطا».
وهذا كما تقدم في الوجه الثاني ونظير هذا من الكلام أن نقول : أحلف بالله لأيهم رأيت ، ثم ذهب إليه رجل قرشي لأحسنن إليه ـ تريد إلى الرجل ـ وهذا الوجه هو مذهب الكسائي.
وقد سأل سيبويه الخليل عن هذه الآية ، فأجاب بأن «ما» بمنزلة الذي ، ودخلت اللام على «ما» كما دخلت على «إن» حين قلت : والله لئن فعلت لأفعلن ، فاللام التي في «ما» كهذه التي في «إن» واللام التي في الفعل كهذه اللام التي في الفعل هنا. هذا نصّ الخليل.
قال أبو علي : لم يرد الخليل بقوله : إنها بمنزلة الذي كونها موصولة ، بل إنها اسم كما أن «الذي» اسم وإما أن تكون حرفا كما جاءت حرفا في قوله : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ) [هود : ١١١] وقوله : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الزخرف : ٣٥].
وقال سيبويه : ومثل ذلك (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) [الأعراف : ١٨] إنما دخلت اللام على نية اليمين. وإلى كونها شرطية ذهب جماعة كالمازني والزجّاج والفارسيّ والزمخشري.