أحدها : أن تكون «ما» موصولة بمعنى الذي ، وهي مفعولة بفعل محذوف ، ذلك الفعل هو جواب القسم والتقدير : والله لتبلّغنّ ما آتيناكم من كتاب. قال هذا القائل : لأن لام القسم إنما تقع على الفعل فلما دلت هذه اللام على الفعل حذف. ثم قال تعالى : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) وهو محمد صلىاللهعليهوسلم قال : وعلى هذا التقدير يستقيم النّظم.
وقال شهاب الدين (١) : وهذا الوجه لا ينبغي أن يجوز ألبته ؛ إذ يمتنع أن تقول في نظيره من الكلام : «والله لزيدا» تريد : والله لتضربن زيدا.
الوجه الثاني : وهو قول أبي علي وغيره : أن تكون اللام ـ في «لما» ـ جواب قوله : (مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) لأنه جار مجرى القسم ، فهي بمنزلة قولك : لزيد أفضل من عمرو ، فهي لام الابتداء المتلقّى بها القسم وتسمى اللام المتلقية للقسم. و «ما» مبتدأة موصولة و «آتيتكم» صلتها ، والعائد محذوف ، تقديره : آتيناكموه فحذف لاستكمال شرطه. و (مِنْ كُتُبٍ) حال ـ إما من الموصول ، وإما من عائده ـ وقوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) عطف على الصلة ، وحينئذ فلا بد من رابط يربط هذه الجملة بما قبلها ؛ فإن المعطوف على الصلة صلة.
واختلفوا في ذلك ، فذهب بعضهم إلى أنه محذوف ، تقديره : جاءكم رسول به ، فحذف «به» لطول الكلام ودلالة المعنى عليه. وهذا لا يجوز ؛ لأنه متى جرّ العائد لم يحذف إلا بشروط ، وهي مفقودة هنا ، [وزعم هؤلاء أن هذا مذهب سيبويه ، وفيه ما قد عرفت ، ومنهم من](٢) قال : الربط حصل ـ هنا ـ بالظاهر ، لأن الظاهر ـ وهو قوله «لما معكم» صادق على قوله : «لما آتيناكم» فهو نظير : أبو سعيد الذي رويت عن الخدري ، والحجاج الذي رأيت أبو يوسف. وقال : [الطويل]
١٥٢٩ ـ فيا ربّ ليلى أنت في كلّ موطن |
|
وأنت الّذي في رحمة الله أطمع (٣) |
يريد رويت عنه ، ورأيته ، وفي رحمته. فأقام الظاهر مقام المضمر ، وقد وقع ذلك في المبتدأ والخبر ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : ٣٠] ولم يقل : إنا لا نضيع ، وقال تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف : ٩٠] ولم يقل : لا يضيع أجره وهذا رأي أبي الحسن والأخفش. وقد تقدم البحث فيه.
ومنهم من قال : إن العائد يكون ضمير الاستقرار العامل في «مع» و «لتؤمنن به» جواب قسم مقدر ، وهذا القسم المقدّر وجوابه خبر للمبتدأ الذي هو «لما آتيناكم» والهاء
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ١٥٢.
(٢) سقط في ب.
(٣) البيت للمجنون ينظر الدرر ١ / ٢٨٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٥٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٩٧ ، وشرح التصريح ١ / ١٤٠ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٠ ، وشرح الأشموني ١ / ٦٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٧.
والدر المصون ٢ / ١٥٢.