قال الزمخشريّ : فإن قلت : كيف موقع قوله : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ)؟
قلت : هو كلام محمول على المعنى ، كأنه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ، ولو افتدى بملء الأرض ذهبا. انتهى.
والذي ينبغي أن يحمل عليه : أن الله ـ تعالى ـ أخبر أن من مات كافرا لا يقبل منه ما يملأ الأرض من ذهب على كل حال يقصدها ، ولو في حال افتدائه من العذاب ، وذلك أن حالة الافتداء حالة لا يميز فيها المفتدي عن المفتدى منه ؛ إذ هي حالة قهر من المفتدى منه للمفتدي.
قال أبو حيان : وقد قررنا ـ في نحو هذا التركيب ـ أن «لو» تأتي منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء ، وما بعدها جاء تنصيصا على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها ، كقوله صلىاللهعليهوسلم : «أعطوا السّائل ولو جاء على فرس» وقوله : «ردّوا السّائل ولو بظلف محرق» كأن هذه الأشياء مما ينبغي أن يؤتى بها ؛ لأن كون السائل على فرس يشعر بغناه ، فلا يناسب أن يعطى ، وكذلك الظلف المحرق ، لا غناء فيه ، فكان يناسب أن لا يردّ به السائل.
قيل : الواو ـ هنا ـ زائدة ، وقد يتأيد هذا بقراءة ابن أبي عبلة «لو افتدى به» ـ دون واو ـ معناه أنه جعل الافتداء شرطا في عدم القبول ، فلم يتعمم النفي وجود القبول.
و «لو» قيل : هي ـ هنا ـ شرطية ؛ بمعنى «إن» لا التي معناها لما كان سيقع لوقوع غيره ؛ لأنها متعلقة بمستقبل ، وهو قوله : «فلن تقبل» ، وتلك متعلّقة بالماضي.
قال الزجاج : إنها للعطف ، والتقدير : لو تقرب إلى الله بملء الأرض ذهبا لن يقبل منه ، ولو افتدى به لم تقبل منه ، وهذا اختيار ابن الأنباري ، قال : وهذا آكد في التغليظ ؛ لأنه تصريح بنفي القبول من وجوه. وقيل : دخلت الواو لبيان التفصيل بعد الإجمال ؛ لأن قوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) يحتمل الوجوه الكثيرة ، فنص على نفي القبول بجهة الفدية.
وقال ابن الخطيب : إن من غضب على بعض عبيده ، فإذا أتحفه ذلك العبد بتحفة وهدية لم يقبلها البتة ، إلا أنه قد يقبل منه الفدية ، فأما إذا لم تقبل منه الفدية ـ أيضا ـ كان ذلك غاية الغضب ، والمبالغة إنما تحصل بذكر ما هو الغاية ، فحكمه ـ تعالى ـ بأنه لا يقبل منهم ملء الأرض ذهبا ، ولو كان واقعا على سبيل الفداء تنبيه على أنه إذا لم يكن مقبولا لا بالفدية فبأن لا يقبل منهم بسائر الطرق أولى. وافتدى افتعل ـ من لفظ الفدية ـ وهو متعدّ لواحد ؛ لأنه بمعنى فدى ، فيكون افتعل فيه وفعل بمعنى ، نحو : شوى ، واشتوى ، ومفعوله محذوف ، تقديره : افتدى نفسه. والهاء في «به» ـ فيها أقوال :
أحدها : ـ وهو الأظهر ـ عودها على «ملء» ؛ لأنه مقدار يملأها ، أي : ولو افتدى بملء الأرض.