الثاني : أن يعود على «ذهبا» ، قاله أبو البقاء.
قال أبو حيان : ويوجد في بعض التفاسير أنها تعود على الملء ، أو على الذهب ، فقوله : «أو على الذهب» غلط.
قال شهاب الدين (١) : «كأن وجه الغلط فيه أنه ليس محدّثا عنه ، إنما جيء به بيانا وتفسيرا لغيره ، فضلة».
الثالث : أن يعود على «مثل» محذوف.
قال الزمخشريّ : «ويجوز أن يراد : ولو افتدى بمثله ، كقوله : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) [الرعد : ١٨] ، والمثل يحذف في كلامهم كثيرا ، كقولك : ضربت ضرب زيد ـ تريد : مثل ضربه ـ وقولك : أبو يوسف أبو حنيفة ـ أي : مثله ـ.
وقوله : [الرجز]
١٥٣٧ ـ لا هيثم اللّيلة للمطيّ |
|
ولا فتى إلّا ابن خيبريّ (٢) |
و «قضية ولا أبا حسن لها» يريد : لا مثل هيثم ، ولا مثل أبي حسن ، كما أنه يزاد قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، يريدون : أنت لا تفعل كذا ، وذلك أن المثلين يسد أحدهما مسد الآخر ، فكانا في حكم شيء واحد».
قال أبو حيان : «ولا حاجة إلى تقدير «مثل» في قوله : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) ، وكأن الزمخشريّ تخيّل أنّ ما قدّر أن يقبل لا يمكن أن يفتدى به ، فاحتاج إلى إضمار : «مثل» حتى يغاير ما نفي قبوله وبين ما يفتدى به ، وليس كذلك ؛ لأن ذلك ـ كما ذكرناه ـ على سبيل الفرض والتقدير ؛ إذ لا يمكن ـ عادة ـ أن أحدا يملك ملء الأرض ذهبا ، بحيث أنه لو بذله ـ على أيّ جهة بذله ـ لم يقبل منه ، بل لو كان ذلك ممكنا لم يحتج إلى تقدير «مثل» ؛ لأنه نفى قبوله ـ حتى في حالة الافتداء ـ وليس ما قدر في الآية نظير ما مثل به ، لأن هذا التقدير لا يحتاج إليه ، ولا معنى له ، ولا في اللفظ ، ولا في المعنى ما يدل عليه ، فلا يقدر.
وأما ما مثل به ـ من نحو : ضربت ضرب زيد ، وأبو يوسف أبو حنيفة ـ فبضرورة العقل يعلم أنه لا بد من تقدير مثل إذ ضربك يستحيل أن يكون ضرب زيد ، وذات أبي يوسف ، يستحيل أن تكون ذات أبي حنيفة.
وأما «لا هيثم الليلة للمطي» ، فدل على حذف «مثل» ما تقرر في اللغة العربية أن «لا» التي لنفي الجنس ، لا تدخل على الأعلام ، فتؤثر فيها ، فاحتيج إلى إضمار : «مثل» لتبقى على ما تقرر فيها ؛ إذ تقرر أنها لا تعمل إلا في الجنس ؛ لأن العلمية تنافي عموم الجنس.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ١٦٥.
(٢) تقدم برقم ١١٠.