وقال مقاتل بن حيان : البرّ التقوى (١).
كقوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : ١٨٩] إلى قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
وقيل : البر : الطاعة.
فالذين قالوا : إن البر هو الجنة قال بعضهم : معناه لن تنالوا ثواب البر.
ومنهم من قال : المراد بر الله أولياءه ، وإكرامه إياهم ، وتفضله عليهم ، من قولهم : برّني فلان بكذا أو برّ فلان لا ينقطع عني.
وقوله : (مِمَّا تُحِبُّونَ) قال بعضهم : إنه نفس المال.
وقال آخرون : أن تكون الهبة رفيعة جيدة لقوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) [البقرة : ٢٦٧]. وقال آخرون : ما يكون محتاجا إليه القوم ؛ قال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) [الإنسان : ٨] ـ في أحد تفاسير الحبّ ـ وقوله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) [الحشر : ٩].
وقال صلىاللهعليهوسلم : «أفضل الصّدقة ما تصدّقت به وأنت صحيح ، شحيح ، تأمل الغنى وتخشى الفقر».
روى الضحاك عن ابن عباس : أن المراد به : الزكاة.
قال ابن الخطيب : لو خصصنا الآية بغير الزكاة لكان أولى ؛ لأن الآية مخصوصة بإيتاء الأحبّ ، والزكاة الواجبة لا يجب على المزكّي أن يخرج أشرف أموال ، أو أكرمها ، بل الصحيح أن هذه الآية مخصوصة بإيتاء المال على سبيل النّدب.
ونقل الواحدي عن مجاهد والكلبي ، أن هذه الآية منسوخة بإيتاء الزكاة ، وهذا في غاية البعد ؛ لأن إيجاب الزكاة كيف ينافي الترغيب في بذل المحبوب لوجه الله.
قوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) تقدم نظيره في البقرة.
فإن قيل : لم قيل : (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) على جهة جواب الشرط ، مع أن الله يعلمه على كل حال؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن فيه معنى الجزاء ، تقديره : وما تنفقوا من شيء فإن الله مجازيكم به ـ قلّ أم كثر ـ ، لأنه عليم به ، لا يخفى عليه شيء منه ، فجعل كونه عالما بذلك الإنفاق كناية عن إعطاء الثواب ، والتعريض ـ في مثل هذا الموضع ـ يكون أبلغ من التصريح.
الثاني : أنه ـ تعالى ـ يعلم الوجه الذي لأجله تفعلونه ، ويعلم أن الداعي إليه هو الإخلاص أم الرياء ، ويعلم أنكم تنفقون الأحب الأجود أم الأخسّ الأرذل ، ونظيره قوله
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٣٢٥) وأبو حيان في «البحر المحيط» ٢ / ٥٤٦).