وسميت مكة ـ من قولهم : مككت المخ من العظم ، إذا استقصيته ولم تترك فيه شيئا.
ومنه : مكّ الفصيل ما في ضرع أمّه ـ إذا لم يترك فيه لبنا ، وروي أنه قال : «لا تمكّكوا على غرمائكم» (١).
وقيل : لأنها تمكّ الذنوب ، أي : تزيلها كلّها.
قال ابن الأنباري : وسمّيت مكة لقلّة مائها وزرعها ، وقلة خصبها ، فهي مأخوذة من مككت العظم ، إذا لم تترك فيه شيئا.
وقيل : لأن من ظلم فيها مكّه الله ، أي : استقصاه بالهلاك.
وقيل : سمّيت بذلك ؛ لاجتلابها الناس من كل جانب من الأرض ، كما يقال : امتكّ الفصيل ـ إذا استقصى ما في الضّرع.
وقال الخليل : لأنها وسط الأرض كالمخ وسط العظم.
وقيل : لأن العيون والمياه تنبع من تحت مكة ، فالأرض كلها تمك من ماء مكة ، والمكوك : كأس يشرب به ، ويكال به ـ ك «الصّواع».
قال القفال : لها أسماء كثيرة ، مكة ، وبكة ، وأمّ رحم ، ـ بضم الراء وإسكان الحاء ـ قال مجاهد : لأن الناس يتراحمون فيها ، ويتوادعون ـ والباسّة ؛ قال الماوردي : لأنها تبس من ألحد فيها ، أي : تحطّمه وتهلكه ، قال تعالى : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) [الواقعة : ٥].
ويروى : الناسّة ـ بالنون ـ قال صاحب المطالع : ويقال : الناسّة ـ بالنون ـ. قال الماورديّ : لأنها تنس من ألحد فيها ـ أي : تطرده وتنفيه.
ونقل الجوهري ـ عن الأصمعي ـ : النّسّ : اليبس ، يقال : جاءنا بخبزة ناسّة ، ومنه قيل لمكة : الناسّة ؛ لقلة مائها. والرأس ، والعرش ، والقادس ، والمقدّسة ـ من التقديس ـ وصلاح ـ بفتح الصاد وكسر الحاء ـ مبنيّا على الكسر كقطام وحذام ، والبلد ، والحاطمة ؛ لأنها تحطم من استخفّ بها ، وأم القرى ؛ لأنها أصل كل بلدة ، ومنها دحيت الأرض ، ولهذا المعنى تزار من جميع نواحي الأرض.
فصل
الأوّل : هو الفرد السابق ، فإذا قال : أوّل عبد أشتريه فهو حرّ ، فلو اشترى عبدين في المرة الأولى لم يعتق واحد منهما ؛ لأن الأول هو الفرد ، ثم لو اشترى بعد ذلك ما شاء لم يعتق ؛ لأن شرط الأوّليّة قد عدم.
__________________
(١) ذكره ابن الأثير في النهاية ٤ / ٣٤٩.