وهو «أول بيت» ـ لتخصيص النكرة بشيئين : الإضافة ، والوصف بالجملة بعده ، وهو جائز في باب «إن» ، ومن عبارة سيبويه : إن قريبا منك زيد ، لما تخصص «قريبا» بوصفه بالجار بعده ساغ ما ذكرناه ، وزاده حسنا ـ هنا ـ كونه اسما ل «إنّ» ، وقد جاءت النكرة اسما ل «إنّ» ـ وإن لم يكن تخصيص ـ كقوله : [الطويل]
١٥٣٨ ـ وإنّ حراما أن أسبّ مجاشعا |
|
بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم (١) |
وببكة صلة ، والباء فيه ظرفية ، أي : في مكة.
وبكة فيها أربعة أوجه :
أحدها : أنها مرادفة ل «مكة» فأبدلت ميمها باء ، قالوا : والعرب تعاقب بين الباء والميم في مواضع ، قالوا : هذا على ضربة لازم ، ولازب ، وهذا أمر راتب ، وراتم ، والنبيط والنميط وسبد رأسه وسمدها ، وأغبطت الحمى ، وأغمطت.
وقيل : إنها اسم لبطن مكة ، ومكة اسم لكل البلد.
وقيل : إنها اسم لمكان البيت.
وقيل : إنها اسم للمسجد نفسه ، وأيدوا هذا بأن التباكّ وهو : الازدحام إنما يحصل عند الطواف ، يقال : تباكّ الناس ـ أي : ازدحموا ، ويفسد هذا القول أن يكون الشيء ظرفا لنفسه ، كذا قال بعضهم ، وهو فاسد ، لأن البيت في المسجد حقيقة.
وقال الأكثرون : بكة : اسم للمسجد والمطاف ، ومكة : اسم البلد ، لقوله تعالى : (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) فدل على أن البيت مظروف في بكة ، فلو كان بكة اسما للبيت لبطل كون بكة ظرفا له.
وسميت بكة ؛ لازدحام الناس ، قاله مجاهد وقتادة (٢) ، وهو قول محمد بن علي الباقر.
وقال بعضهم : رأيت محمد بن علي الباقر يصلي ، فمرت امرأة بين يديه ، فذهبت أدفعها ، فقال : دعها ، فإنها سمّيت بكة ، لأنه يبكّ بعضهم بعضا ، تمر المرأة بين يدي الرجل وهو يصلي ، والرجل بين يدي المرأة وهي تصلي ، ولا بأس بذلك هنا (٣).
وقيل : لأنها تبكّ أعناق الجبابرة ـ أي : تدقها.
قال قطرب : تقول العرب : بككته ، أبكّه ، بكّا ، إذا وضعت منه.
__________________
(١) البيت للفرزدق ينظر ديوانه ٢ / ٣٠٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٨٥ ، والدرر ٢ / ٧٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩١ ، والمقتضب ٤ / ٧٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١١٩ ، والدر المصون ٢ / ١٦٨.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٤) عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٤) عن أبي جعفر دون ذكر محمد بن علي الباقر.