بيوت الأرض ، وأقدمها زمانا ، سمي بهذا الاسم.
وثانيها : البيت العتيق ، قال تعالى : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٣٣] وسمي العتيق ؛ لأنه أقدم بيوت الأرض.
وقيل : لأنه خلق قبل الأرض والسماء ؛ وقيل : لأن الله ـ تعالى ـ أعتقه من الغرق.
وقيل : لأن كلّ من قصد تخريبه أهلكه الله ـ مأخوذ من قولهم : عتق الطائر ـ إذا قوي في وكره.
وقيل : لأن كل من زاره أعتقه الله من النار.
وثالثها : المسجد الحرام ، قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء : ١] وسمّي بذلك ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال في خطبته ـ يوم فتح مكة ـ : «ألا إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السّموات والأرض ، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجرها ولا يختلى خلاؤها ، ولا تلتقط لقطتها إلا لمنشدها».
فإن قيل : كيف الجمع بين قوله : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) [الحج : ٢٦] ، وقوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ٩٦] فهناك أضافه إلى نفسه ، وهنا أسنده إلى الناس؟
فالجواب : كأنه قال : البيت لي ، ولكن وضعته ليكون قبلة للناس.
قوله : (مُبارَكاً وَهُدىً) حالان ، إما من الضمير في «وضع» كذا أعربه أبو البقاء وغيره ، وفيه نظر ؛ من حيث إنه يلزم الفصل بين الحال بأجنبيّ ـ وهو خبر «إنّ» ـ وذلك غير جائز ؛ لأن الخبر معمول ل «إنّ» فإن أضمرت عاملا بعد الخبر أمكن أن يعمل في الحال ، وكان تقديره : أول بيت وضع للناس للذي ببكة وضع مباركا ، والذي حمل على ذلك ما يعطيه تفسير أمير المؤمنين من أنه وضع أولا بقيد هذه الحال.
وإما أن يكون العامل في الحال هو العامل في «ببكّة» أي استقر ببكة في حال بركته ، وهو وجه ظاهر الجواز. والظاهر أن قوله : «وهدى» معطوف على «مباركا» والمعطوف على الحال حال.
وجوز بعضهم أن يكون مرفوعا ، على أنه خبر مبتدأ محذوف ـ أي : وهو هدى ـ ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار.
والبركة : الزيادة ، يقال : بارك الله لك ، أي : زادك خيرا ، وهو متعدّ ، ويدل عليه قوله تعالى : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) [النمل : ٨٠] و «تبارك» لا يتصرف ، ولا يستعمل إلا مسندا لله تعالى ، ومعناه ـ في حقه تعالى ـ : تزايد خيره وإحسانه.
وقيل : البركة ثبوت الخير ، مأخوذ من مبرك البعير.