فأنزل الله هذه الآية (١) ، فما كان يوم أقبح أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم.
واعلم أن هذه الآية يحتمل أن يكون المراد بها : جميع ما يحاولونه من أنواع الضلالة ، فبيّن ـ تعالى ـ أن المؤمنين إذا قبلوا منهم قولهم أدّى ذلك ـ حالا بعد حال ـ إلى أن يعودوا كفارا ، والكفر يوجب الهلاك في الدّنيا بالعداوة والمحاربة ، وسفك الدماء ، وفي الآخرة بالعذاب الأليم الدائم.
قوله : (يَرُدُّوكُمْ) ردّ ، يجوز أن يضمّن معنى : «صيّر» فينصب مفعولين.
ومنه قول الشاعر : [الوافر]
١٥٥٠ ـ رمى الحدثان نسوة آل سعد |
|
بمقدار سمدن له سمودا |
فردّ شعورهنّ السّود بيضا |
|
وردّ وجوههنّ البيض سودا (٢) |
ويجوز ألا يتضمن ، فيكون المنصوب الثاني حالا.
قوله : (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) يجوز أن يكون منصوبا ب «يردّوكم» ، وأن يتعلق ب «كافرين» ، ويصير المعنى كالمعنى في قوله : (كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) [آل عمران : ٨٦].
قوله : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) «كيف» كلمة تعجّب ، وهو على الله ـ تعالى ـ محال ، والمراد منه التغليظ والمنع ؛ لأن تلاوة آيات الله عليهم ، حالا بعد حال ـ مع كون الرسول صلىاللهعليهوسلم فيهم ـ تزيل الشّبه ، وتقرّر الحجج ، كالمانع من وقوعهم في الكفر ، فكان صدور الكفر عن هؤلاء الحاضرين للتلاوة والرسول معهم أبعد من هذا الوجه.
قال زيد من أرقم : قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم خطيبا ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد ، أيّها النّاس ، إنّما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيبه ، وإنّي تارك فيكم الثّقلين : أوّلهما كتاب الله ، فيه الهدى والنّور ، فتمسّكوا بكتاب الله ، وخذوا به ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي» (٣).
قوله : (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) جملة حالية ، من فاعل : «تكفرون».
وكذلك قوله : (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) أي : كيف يوجد منكم الكفر مع وجود هاتين الحالتين؟
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٥ ـ ٥٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٠٢) وزاد نسبته لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن زيد بن أسلم.
(٢) تقدم برقم ٧٣٣.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة (٣٦) وابن أبي عاصم في «السنة» (٢ / ٦٤٣) والبيهقي (٢ / ١٤٨ ـ ٧ / ٣١ ـ ١٠ / ١١٤) وابن عساكر (٥ / ٤٣٩ ـ تهذيب) والبغوي في «تفسيره» (١ / ٣٠٠) والحديث ذكره ابن كثير في «تفسيره» (٦ / ٤٦١) عن زيد بن أرقم.