اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)» واحدا ؛ لأن من اتقى الله ما استطاع فقد اتقاه حق تقاته ؛ ولأن حق تقاته ما استطاع من التقوى ؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها والوسع دون الطاقة ، ونظير هذه الآية قوله : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) [الحج : ٧٨].
فإن قيل : أليس قد قال تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام : ٩١]؟
فالجواب : أن هذه الآية وردت في ثلاثة مواضع في القرآن ، وكلها في صفة الكفار ، لا في صفة المسلمين ، وأما الذين قالوا : إن المراد هو أن يطاع فلا يعصى فهذا صحيح ، والذي يصدر عن الإنسان كان سهوا ، أو نسيانا فغير قادح فيه ؛ لأن التكليف مرفوع عنه في هذه الأحوال ، وكذلك قوله : أن يشكر فلا يكفر ؛ لأن ذلك واجب عليه عند حضور نعم الله بالبال ، فأما عند السهو فلا يجب ، وكذلك قوله : أن يذكر فلا ينسى ، فإن ذلك واجب عند الدعاء والعبادة ، وكل ذلك مما يطاق ، فلا وجه للقول بالنسخ. وقوله : (حَقَّ تُقاتِهِ) أي : كما يجب أن يتّقى ، والتقى اسم للفعل ـ من قولك : اتقيت ـ كما أن الهدى اسم الفعل من قولك : اهتديت.
قوله : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) نهي في الصورة عن موتهم إلا على هذه الحالة ، والمراد : دوامهم على الإسلام ؛ وذلك أن الموت لا بدّ منه ، فكأنه قال : دوموا على الإسلام إلى الموت ، وقريب منه ما حكى سيبويه : لا أرينّك ههنا ، أي : لا تكن بالحضرة ، فتقع عليك رؤيتي ، والجملة من قوله : (وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) في محل نصب على الحال ، والاستثناء مفرّغ من الأحوال العامة ، أي : لا تموتن على حالة من سائر الأحوال إلا على هذه الحال الحسنة ، وجاء بها جملة اسمية ؛ لأنها أبلغ وآكد ؛ إذ فيها ضمير متكرر ، ولو قيل : إلا مسلمين لم يفد هذا التأكيد وتقدم إيضاح هذا التركيب في البقرة عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) بل دل على الاقتران بالموت لا متقدّما ولا متأخّرا.
قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) الحبل ـ في الأصل ـ هو : السبب ، وكل ما وصلك إلى شيء فهو حبل ، وأصله في الأجرام واستعماله في المعاني من باب المجاز. ويجوز أن يكون ـ حينئذ ـ من باب الاستعارة ، ويجوز أن يكون من باب التمثيل ، ومن كلام الأنصار رضي الله عنهم : يا رسول الله ، إنّ بيننا وبين القوم حبالا ونحن قاطعوها ـ يعنون العهود والحلف.
قال الأعشى : [الكامل]
١٥٥٤ ـ وإذا تجوّزها حبال قبيلة |
|
أخذت من الأخرى إليك حبالها (١) |
__________________
(١) ينظر ديوانه (٦٥) وتأويل مشكل القرآن ٤٦ ومجاز القرآن ١ / ١٠١ واللسان (حبل) ومجمل اللغة ١ / ٢٦٢ وزاد المسير ١ / ٤٣٣ وتاج العروس ٧ / ٢٧٠ وتهذيب اللغة ٥ / ٧٨ والدر المصون ٢ / ١٧٧.