ولا يجوز أن يكون «آناء الليل» ظرفا ل «قائمة».
قال أبو البقاء : «لأن «قائمة» قد وصفت ، فلا يجوز أن تعمل فيما بعد الصفة» ، وهذا على تقدير أن يكون «يتلون» وصفا ل «قائمة» ، وفيه نظر ؛ لأن المعنى ليس على جعل هذه الجملة صفة لما قبلها ، بل على الاستئناف للبيان المتقدم ، وعلى تقدير جعلها صفة لما قبلها ، فهي صفة ل «أمّة» ، لا ل «قائمة» ؛ لأن الصفة لا توصف إلا أن يكون معنى الصفة الثانية لائقا بما قبلها ، نحو : مررت برجل ناطق فصيح ، ففصيح صفة لناطق ؛ لأن معناه لائق به ، وبعضهم يجعله وصفا لرجل.
وإنما المانع من تعلّق هذا الظرف ب «قائمة» ما ذكرناه من استئناف جملته.
قوله : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) يجوز أن يكون حالا من فاعل «يتلون» أي : يتلون القرآن ، وهم ساجدون ، وهذا قد يكون في شريعتهم ـ مشروعية التلاوة في السجود ـ بخلاف شرعنا ، قال عليهالسلام «ألا إنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا ، أو ساجدا» ، وبهذا يرجح قول من يقول إنهم غير أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في «قائمة» قاله أبو البقاء.
وفيه ضعف ؛ للاستئناف المذكور.
وقيل : المراد بقوله : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) : أنهم يصلون ، والصلاة تسمى سجودا ، وركوعا ، وتسبيحا ، قال تعالى : (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ،) وقال : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧] ، والمراد : الصلاة.
وقيل : (يَسْجُدُونَ) أي : يخضعون لله ؛ لأن العرب تسمّي الخضوع سجودا ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [النحل : ٤٩].
ويجوز أن تكون مستأنفة ، والمعنى : أنهم يقومون تارة ، ويسجدون تارة ، يبتغون الفضل والرحمة بأنواع ما يكون في الصلاة من الخضوع لله ، ونظيره قوله : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) [الفرقان : ٦٤].
قوله : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) إمّا استئناف ، وإما أحوال ، وجيء بالجملة الأولى اسمية ؛ دلالة على الاستقرار ، وصدّرت بضمير ، وثنّى عليه جملة فعلية ، ليتكرر الضمير ، فيزداد بتكراره توكيدا.
وجيء بالخبر مضارعا ؛ دلالة على تجدّد السجود في كل وقت ، وكذلك جيء بالجمل التي بعدها أفعالا مضارعة.
ويحتمل أن يكون (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) خبرا ثانيا ، لقوله : «هم» ، ولذلك ترك العاطف ولو ذكره لكان جائزا.