وقال الزبير : كنت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين اشتدّ الخوف ، فأنزل الله علينا النوم ، والله إنّي لأسمع قول معتّب بن قشير ـ ما أسمعه إلّا كالحلم ـ يقول : «لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا» (١).
فصل
قال ابن مسعود : النّعاس في القتال أمنة ، والنعاس في الصلاة من الشّيطان (٢) ، وذلك أنه في القتال لا يكون إلا من الوثوق بالله ، والفراغ عن الدنيا ، ولا يكون في الصّلاة إلا من غاية البعد عن الله تعالى. واعلم أنّ ذلك النعاس فيه فوائد :
الأولى : أنه وقع على كافة المؤمنين ـ لا على الحد المعتاد ـ فكان معجزة ظاهرة للنبي صلىاللهعليهوسلم ولا شكّ أن المؤمنين متى شاهدوا تلك المعجزة الجديدة ازدادوا إيمانا مع إيمانهم ، ومتى صاروا كذلك ازداد أحدهم في محاربة العدو.
الثانية : أن الأرق والسهر يوجبان الضعف والكلال ، والنوم يفيد عود القوة والنشاط ، واشتداد القوة والقدرة.
الثالثة : أنّ الكفار لما اشتغلوا بقتل المسلمين ألقى الله النوم على عين من بقي منهم ؛ لئلا يشاهدوا قتل أعزتهم فيشتد الخوف والجبن في قلوبهم.
الرابعة : أن الأعداء كانوا في غاية الحرص على قتلهم ، فبقاؤهم في النوم مع السّلامة في مثل تلك المعركة ـ من أدلّ الدّلائل على أنّ حفظ الله وعصمته معهم ، وذلك مما يزيل الخوف عن قلوبهم ، ويورثهم مزيد الوثوق بوعد الله تعالى.
قوله : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) في هذه الواو ثلاثة أوجه :
الأول : أنها واو الحال ، وما بعدها في محل نصب على الحال ، والعامل فيها «يغشى».
الثاني : أنها واو الاستئناف ، وهي التي عبر عنها مكيّ بواو الابتداء.
الثالث : أنها بمعنى «إذ» ذكره مكي (٣) ، وأبو البقاء (٤) ، وهو ضعيف.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٢٣) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٣ / ٢٧٣) عن الزبير.
والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٥٦) وزاد نسبته لابن إسحاق وإسحاق بن راهويه وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
والخبر ذكره الصالحي في «السيرة الشامية» (٤ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣١٩) والطبراني في «الكبير» كما في «مجمع الزوائد» (٦ / ٣٢٨) والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٥٦) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وقال الهيثمي : رواه الطبراني وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة وغيره وضعفه جماعة.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ١٦٤.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ١٥٤.