أحدها : أنه في محل نصب على الحال من «جنّات» ؛ لأنه ـ في الأصل ـ صفة لها ، فلما قدّم نصب حالا.
الثاني : أنه متعلق بما تعلق به «للّذين» من الاستقرار ، إذا جعلناه خبرا ، أو رافعا «جنّات» بالفاعلية ، أما إذا علقته ب «خير» أو «أؤنبّئكم» فلا ؛ لعدم تضمينه الاستقرار.
الثالث : أن يكون معمولا ل «تجري» ، وهذا لا يساعد عليه المعنى.
الرابع : أنه متعلق ب «خير» ، كما تعلق به «للّذين» ، كما تقدم.
ويضعف أن يكون الكلام قد تم عند قوله : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) ثم يبتدأ بقوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ) ـ على الابتداء والخبر ـ وتكون الجملة مبيّنة ومفسّرة للخيرية ، كما تقدم في غيرها. وقرأ يعقوب (١) «جنّات» بكسر التاء ـ وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها بدل من لفظ «بخير» فتكون مجرورة ، وهي بيان له ـ كما تقدم.
الثاني : أنها بدل من محل «بخير» ـ ومحله النصب ـ وهو في المعنى كالأول.
الثالث : أنه منصوب بإضمار «أعني» ، وهو نظير الوجه الصائر إلى رفعه على خبر ابتداء مضمر.
قوله : «تجري» صفة ل «جنّات» ، فهو في محل رفع ، أو نصب ، أو جر ـ على حسب القراءتين ، والتخاريج فيهما ـ و «من تحتها» متعلق ب «تجري» وجوز فيه أبو البقاء أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «الأنهار» قال : أي : تجري الأنهار كائنة تحتها ، وهذا يشبه تهيئة العامل للعمل في شيء وقطعه عنه.
قوله : (خالِدِينَ) حال ، وصاحبها الضمير المستكن في «للّذين» والعامل فيها ـ حينئذ ـ الاستقرار المقدّر.
وقال أبو البقاء (٢) : «إن شئت من الهاء في : تحتها» ، وهذا الذي ذكره ـ إنما يتمشى على مذهب الكوفيين ، وذلك أن جعلها حالا من الهاء في تحتها يؤدي إلى جريان الصفة على غير من هي له في المعنى ؛ لأن الخلود من أوصاف الجنة ولذلك جمع هذه الحال جمع العقلاء ، فكان ينبغي أن يؤتى بضمير مرفوع بارز ، هو الذي كان مستترا في الصفة نحو : زيد هند ضاربها هو ، والكوفيون يقولون : إن أمن اللبس ـ كهذا ـ لم يجب بروز الضمير ، وإلا يجب ، والبصريون لا يفرقون. وتقدم البحث في ذلك.
قوله : (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ) من رفع «جنّات» ـ كما هو المشهور ـ كان عطف «أزواج» و «رضوان» سهلا ، ومن كسر التاء فيجب ـ حينئذ ـ على قراءته أن يكون مرفوعا على أنه مبتدأ خبره مضمر ، تقديره : ولهم أزواج ، ولهم رضوان ، وتقدم الكلام على «أزواج مطهّرة» في البقرة.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٢٧.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٢٨.