وأولو العلم بذلك ، وهو قريب من قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) الرجال [النور : ٣٦] ، في قراءة من بناه للمفعول.
وقوله : [الطويل]
١٣٦٧ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (١) |
وقرأ أبو المهلّب (٢) : «شهداء الله» جمعا على فعلاء ـ كظرفاء ـ منصوبا ، وروي عنه وعن أبي نهيك كذلك إلا أنه مرفوع ، وفي كلتا القراءتين مضاف للفظ الجلالة ، فأما النصب فعلى الحال ، وصاحبها هو الضمير المستتر في «المستغفرين».
قال ابن جني (٣) ، وتبعه الزمخشريّ ، وأبو البقاء : وأما الرفع فعلى إضمار مبتدأ ، أي : هم شهداء الله.
وشهداء : يحتمل أن يكون جمع شاهد ـ كشاعر وشعراء ـ وأن يكون جمع شهيد كظريف وظرفاء. وقرأ أبو (٤) المهلب ـ أيضا ـ : «شهدا الله» ـ بضم الشين والهاء والتنوين ونصب لفظ الجلالة وهو منصوب على الحال ؛ جمع شهيد ـ كنذير ونذر ـ واسم «الله» منصوب على التعظيم أي يشهدون الله ، أي : وحدانيته.
وروى النقاش أنه قرأ كذلك (٥) ، إلّا أنه قال : برفع الدال ونصبها ، والإضافة للفظ الجلالة ، فالرفع والنصب على ما تقدم في «شهداء» ، وأما الإضافة ، فيحتمل أن تكون محضة ، بمعنى أنك عرفتهم إضافتهم إليه من غير تعرض لحدوث فعل ، كقولك : عباد الله ، وأن يكون من نصب كالقراءة قبلها فتكون غير محضة.
__________________
(١) استشهد به على رفع «ضارع» بفعل محذوف من نوع الأول على رواية البناء للمفعول ، ليبك يزيد فيكون التقدير : يبكيه ضارع ، وقد روي بالبناء للفاعل : ليبك يزيد ضارع ـ فيكون «يزيد» مفعولا مقدما ، «وضارع» فاعل مؤخر ولا حذف في الكلام ، واعتبر العسكري هذه الرواية هي الصحيحة ، والرواية الأولى من تغيير النحويين ، فقال في كتابه «التصحيف» : ومما قلبوه وخالفهم فيه الرواة قول الشاعر : لبيك يزيد ضارع ... البيت.
وقد رواه الأصمعي وغيره بالبناء للفاعل ، ومثله : كتاب فعلت وأفعلت للسجستاني ، وزعم بعضهم أنه لا حذف في البيت على الرواية الأولى ؛ لجواز أن يكون «يزيد» منادى «وضارع» نائب الفاعل.
واختلف في القياس على ذلك : فمنعه الجمهور ، وجوزه الجرمي ، وابن جني ، وابن مالك ، حيث لم يلتبس الفاعل بالنائب عنه.
ينظر سيبويه ١ / ١٤٥ ، ١٨٣ ، العيني ٢ / ٤٥٤ ، ابن يعيش ١ / ٨٠ ، الهمع ١ / ١٦٠ ، الخصائص ٢ / ٣٥٣ ، ٤٢٤ ، التصحيف للعسكري ـ ٢٠٨ ، شرح الكافية للرضي ١ / ٦٧ ، ٦٨ معاهد التنصيص ١ / ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، شواهد الكشاف ـ ٦٥ ، الكافية ١ / ٧٥.
(٢) انظر : البحر المحيط ٢ / ٢٤٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٠.
(٣) ينظر المحتسب ١ / ٢٣٠.
(٤) انظر : الدر المصون ٢ / ٤١.
(٥) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤١٢ ، ٤١٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٢٠ ، والدر المصون.