إما مؤكّدة ، وإما مبيّنة ـ وهي الأصل ـ فالمبيّنة لا جائز أن تكون ههنا ؛ لأن المبيّنة منتقلة ، والانتقال ـ هنا ـ محال ؛ إذ عدل الله ـ تعالى ـ لا يتغير.
وقيل : لنا قسم ثالث ـ وهي الحال اللازمة ـ فكان للزمخشري مندوحة عن قوله : «مؤكّدة» وعن قوله «لازمة».
فالجواب : أن كل مؤكّدة لازمة ، فلا فرق بين العبارتين ـ وإن كان الشيخ زعم أن إصلاح العبارة يحصل بقوله : لازمة ـ ويدل على ما ذكرته من ملازمة التأكيد للحال اللازمة وبالعكس الاستقراء وقوله : ليس معنى (قائِماً بِالْقِسْطِ) معنى «شهد» ممنوع ، بل معنى : «شهد» مع متعلّقه وهو (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ـ مساو لقوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ) ؛ لأن التوحيد ملازم للعدل.
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه ، ولو قلت: جاءني زيد وعمرو راكبا لم يجز؟
قلت : إنما جاز هذا ؛ لعدم الإلباس ، كما جاء في قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) [الأنبياء : ٧٢] ـ إن انتصب «نافلة» حالا عن يعقوب ، ولو قلت : جاءني زيد وهند راكبا ، جاز ؛ لتميزه بالذكورة».
قال أبو حيّان : «وما ذكر من قوله : جاءني زيد وعمرو راكبا ، أنه لا يجوز ليس كما ذكر ، فهذا جائز ؛ لأن الحال قيد فيمن وقع منه أو به الفعل ، أو ما أشبه ذلك ، وإذا كان قيدا فإنه يحمل على أقرب مذكور ؛ ويكون «راكبا» حالا مما يليه ، ولا فرق في ذلك بين الحال والصفة لو قلت : جاءني زيد وعمرو الطويل ، لكان «الطويل» صفة لعمرو ، ولا تقول : لا تجوز هذه المسألة ؛ لأنه يلبس ، بل لا لبس في هذا ، وهو جائز ، فكذلك الحال ، وأما قوله : إن «نافلة» انتصب حالا عن «يعقوب» فلا يتعين أن يكون حالا عن يعقوب ؛ إذ يحتمل أن يكون «نافلة» مصدرا ـ كالعاقبة والعافية ـ ومعناه زيادة ، فيكون ذلك شاملا إسحاق ويعقوب ؛ لأنهما زيدا لإبراهيم بعد ابنه إسماعيل وغيره».
قال شهاب الدين (١) : «مراد الزمخشريّ بمنع جاءني زيد وعمرو راكبا إذا أريد أن الحال منهما معا ، أما إذا أريد أنها حال من واحد منهما فإنما يجعل لما يليه ؛ لعود الضمير على أقرب مذكور».
وبعضهم جعله حالا من «هو».
قال الزمخشريّ : فإن قلت : قد جعلته حالا من فاعل «شهد» فهل يصح أن ينتصب حالا عن «هو» في «لا إله إلّا هو»؟
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٢.