المنفتل ، أو تعرضوا عنها فتكتموها ، أو يقال : تلووا في إقامة الشّهادة إذا تدافعوا ، يقال : لويته حقّه ؛ إذا دفعته وأبطلته (١).
وإن كان عنى الحكم بالعدل ، فهو خطاب للحكّام في ليّهم الأشداق ، يقول (٢) : «وإن تلووا» أي : تميلوا إلى أحد الخصمين ، أو تعرضوا عنه.
وأما قراءة حمزة وابن عامر ، ففيها ثلاثة أقوال :
أحدها : ـ وهو قول الزّجّاج (٣) ، والفراء (٤) ، والفارسي في إحدى الرّوايتين عنه ـ أنه من لوى يلوي ؛ كقراءة الجماعة ، إلّا أنّ الواو المضمومة قلبت همزة ؛ كقلبها في «أجوه» و «أقّتت» ، ثم نقلت حركة هذه الهمزة إلى السّاكن قبلها وحذفت ، فصار : «تلون» كما ترى.
الثاني : أنه من لوى يلوي أيضا ، إلا أن الضّمّة استثقلت على الواو الأولى فنقلت إلى اللام السّاكنة تخفيفا ، فالتقى ساكنان وهما الواوان ، فحذف الأوّل منهما ، ويعزى هذا للنّحّاس ، وفي هذين التخريجين نظر ؛ وهو أنّ لام الكلمة قد حذفت أولا كما قرّرته ، فصار وزنه : تفعوا ، بحذف اللّام ، ثم حذفت العين ثانيا ، فصار وزنه : تفوا ، وذلك إجحاف بالكلمة.
الثالث : ـ ويعزى لجماعة منهم الفارسيّ ـ أن هذه القراءة مأخوذة من الولاية ، بمعنى : وإن ولّيتم إقامة الشّهادة أو ولّيتم الأمر ، فتعدلوا عنه ، والأصل : «توليوا» فحذفت الواو الأولى لوقوعها بين حرف المضارعة وكسرة ، فصار : «تليوا» كتعدوا وبابه ، فاستثقلت الضّمّة على الياء ، ففعل بها ما تقدّم في «تلووا» ، وقد طعن قوم على قراءة حمزة وابن عامر ـ منهم أبو عبيد ـ قالوا : لأنّ معنى الولاية غير لائق بهذا الموضع.
قال أبو عبيد : «القراءة عندنا بواوين مأخوذة من : «لويت» وتحقيقه في تفسير ابن عبّاس : هو القاضي ، يكون ليّه وإعراضه عن أحد الخصمين للآخر» وهذا الطعن ليس بشيء ؛ لأنها قراءة متواترة ومعناها صحيح ؛ لأنّه إن أخذناها من الولاية كان المعنى على ما تقدّم ، وإن أخذناها من الليّ ، فالأصل : «تلووا» كالقراءة الأخرى ، وإنما فعل بها ما تقدّم من قلب الواو همزة ونقل حركتها ، أو من نقل حركتها من غير قلب ، فتتّفق القراءتان في المعنى.
ثم قال : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وهذا تهديد ووعيد للمذنبين ، ووعد بالإحسان للمطيعين.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى
__________________
(١) في أ : ومطلته.
(٢) في ب : تقول.
(٣) ينظر : معاني القرآن ١ / ١٢٩.
(٤) ينظر : معاني القرآن ١ / ٢٩١.