وقال بعضهم : «إنما رفع «الجروح» ولم ينصب تبعا لما قبله فرقا بين المجمل والمفسر». يعني أن قوله : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) مفسّر غير مجمل ، بخلاف «الجروح» ، فإنها مجملة ؛ إذ ليس كل جرح يجري فيه قصاص ؛ بل ما كان يعرف فيه المساواة ، وأمكن ذلك فيه ، على تفصيل معروف في كتب الفقه.
وقال بعضهم : خولف في الإعراب لاختلاف الجراحات وتفاوتها ، فإذن الاختلاف في ذلك كالخلاف المشار إليه ، وهذان الوجهان لا معنى لهما ، ولا ملازمة بين مخالفة الإعراب ، ومخالفة الأحكام المشار إليها بوجه من الوجوه ، وإنما ذكرتها تنبيها على ضعفها.
وقرأ نافع (١) : «والأذن بالأذن» سواء كان مفردا أم مثنى ، كقوله : (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) [لقمان : ٧] بسكون الذال ، وهو تخفيف للمضموم ك «عنق» في «عنق» والباقون بضمهما ، وهو الأصل ، ولا بد من حذف مضاف في قوله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) : إمّا من الأول ، وإمّا من الثاني ، وسواء قرىء برفعه أو بنصبه ، تقديره : وحكم الجروح قصاص ، أو : والجروح ذات قصاص.
والقصاص : المقاصّة ، وقد تقدم الكلام عليه في «البقرة» [الآية ١٧٨].
وقرأ (٢) أبيّ بنصب «النفس» ، والأربعة بعدها و «أن الجروح» بزيادة «أن» الخفيفة ، ورفع «الجروح» ، وعلى هذه القراءة يتعيّن أن تكون المخففة ، ولا يجوز أن تكون المفسرة ، بخلاف ما تقدّم من قراءة أنس عنه عليهالسلام بتخفيف «أن» ورفع «النفس» حيث جوزنا فيها الوجهين ، وذلك لأنه لو قدرتها التفسيرية [وجعلتها معطوفة على ما قبلها فسد من حيث إن «كتبنا» يقتضي أن يكون عاملا لأجل أنّ «أن» المشدّدة غير عامل لأجل «أن» التفسيرية](٣). فإذا انتفى تسلّطه عليها انتفى تشريكها مع ما قبلها ؛ لأنه إذا لم يكن عمل فلا تشريك ، فإذا جعلتها المخفّفة تسلّط عمله عليها ، فاقتضى العمل التشريك في انصباب معنى الكتب عليهما.
فصل
قال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ : أخبر الله تعالى بحكمه في التوراة ، وهو أن النفس بالنفس. الخ ، فما بالهم يقتلون بالنفس النفسين ، ويفقأون بالعين العينين (٤) ،
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٤٤ ، والحجة ٣ / ٢٢٧ ، وحجة القراءات ٢٢٧ ، والعنوان ٨٧ ، وإعراب القراءات ١ / ١٤٦ ، وشرح شعلة ٣٤٩ ، وإتحاف ١ / ٥٣٦.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٩٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٥٠٧ ، والدر المصون ٢ / ٥٣٢.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٩٨) عن ابن عباس وينظر : تفسير البغوي ٢ / ٤١.