المؤمنين» خبر «أولئك» ، والجملة خبر «إلّا الّذين» ، والتقدير : فأولئك مؤمنون مع المؤمنين ، وهذا التقدير لا تقتضيه الصناعة ، بل الذي تقتضيه الصناعة : أن يقدّر الخبر الذي يتعلّق به هذا الظرف شيئا يليق به ، وه و «فأولئك مصاحبون أو كائنون أو مستقرون» ونحوه ، فتقدّره كونا مطلقا ، أو ما يقاربه.
فصل
معنى الآية (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) : من النّفاق وآمنوا ، «وأصلحوا» أعمالهم ، (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) ووثقوا بالله ، (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) وأراد الإخلاص بالقلب ؛ لأن النّفاق كفر القلب ، فزواله يكون بإخلاص القلب ، فإذا حصلت هذه الشّروط ، فعندها قال : (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ، ولم يقل : فأولئك مؤمنون.
قال الفرّاء (١) : معناه : فأولئك من المؤمنين.
قوله : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)] رسمت «يؤت» دون «ياء» وهو مضارع مرفوع ، فحقّ يائه أن تثبت لفظا وخطّا ، إلا أنها حذفت لفظا في الوصل ؛ لالتقاء الساكنين [وهما الياء في اللفظ واللام في الجلالة] فجاء الرسم تابعا للفظ ، وله نظائر تقدّم بعضها ، والقراء يقفون عليه دون ياء اتّباعا للرسم ، إلا يعقوب (٢) ، فإنه يقف بالياء ؛ نظرا إلى الأصل ، وروي ذلك أيضا عن الكسائيّ وحمزة ، وقال أبو عمرو : «ينبغي ألّا يوقف عليها ؛ لأنّه إن وقف عليها كما في الرسم دون ياء خالف النحويين ، وإن وقف بالياء خالف رسم المصحف» ، ولا بأس بما قال ؛ لأن الوقف ليس ضروريّا ، فإن اضطرّ إليه واقف ؛ لقطع نفس ونحوه ، فينبغي أن يتابع الرسم ؛ لأنّ الأطراف قد كثر حذفها ، وممّا يشبه هذا الموضع قوله : (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ) [غافر : ٩] فإنه رسم «تق» بقاف ، دون هاء سكت ، وعند النحويين : أنه إذا حذف من الفعل شيء ؛ حتى لم يبق منه إلا حرف واحد ، ووقف عليه ، وجب الإتيان بهاء السكت في آخره ؛ جبرا له ؛ نحو : «قه» و «لم يقه» و «عه» و «لم يعه» ، ولا يعتدّ بحرف المضارعة ؛ لزيادته على بنية الكلمة ، فإذا تقرّر هذا ، فنقول : ينبغي ألّا يوقف عليه ؛ لأنه إن وقف بغير هاء سكت ، خالف الصناعة النحوية ، وإن وقف بهاء خالف رسم المصحف.
والمراد : (يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ) في الآخرة ، (أَجْراً عَظِيماً) [يعني : الجنّة](٣).
قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً)(١٤٧)
في «ما» وجهان :
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٩٣.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٩٧ والدر المصون ٢ / ٤٥٠.
(٣) سقط في ب.