وآية الذم على ترك الإنفاق ليست نصاً في صورة العجز عن الجهاد بالنفس بل ولا ظاهرة فيها ، إلاّ على تقدير كون الإنفاق على نفسه مع جهاده بنفسه ليس من الجهاد بالمال في سبيل الله تعالى. ولا ريب في ضعفه ؛ إذ الإنفاق في سبيل الله تعالى أعمّ منه على نفسه وعلى غيره قطعاً لغةً وعرفاً.
هذا مع أنّ الجهاد بالمال أعمّ من الاستنابة ؛ إذ يدخل فيه أيضاً إعانة المجاهدين في الخيل والسلاح والظهر والزاد وسدّ الثغر ، كما حكي القول بوجوبها في المختلف عن الحلبي (١) ، ولكن لم يقولا به.
ثم إنّ هذا إذا لم يحتج إلى الاستنابة بأن يعجز القائمون بدونها ، وإلاّ فتجب قولاً واحداً.
( ولو استناب مع القدرة ) على الجهاد ووجوبه عليه ( جاز أيضاً ) عندنا بغير خلاف ظاهر ، وعزاه في المنتهى إلى علمائنا (٢) مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، مستدلاًّ عليه بالنبوي : « من جهّز غازياً كان له مثل أجره » (٣) والمرتضوي : عن الإجعال للغزو ، فقال : « لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل ويأخذ منه الجُعل » (٤).
وفيهما لولا الإجماع نظر ؛ لضعف سندهما ودلالتهما ، لأنّ غاية الأخير نفي البأس عن أخذ الجُعل للنائب ، وهو غير جواز الاستنابة للقادر.
وغاية الأوّل إفادة الثواب على تجهيز الغازي ، وهو غير ما نحن فيه.
وربما يستدل عليه أيضاً بأن الغرض من الواجب الكفائي المقتضي لسقوطه عمّن زاد عمّن فيه الكفاية لحصول من فيه الكفاية ، تحصيله على
__________________
(١) المختلف : ٣٢٤.
(٢) المنتهى ٢ : ٩٠٠.
(٣) كنز العمال ٤ : ٣٢١ / ١٠٧١٠ ، مسند أحمد ٤ : ١١٥.
(٤) التهذيب ٦ : ١٧٣ / ٣٣٨ ، قرب الإسناد : ١٣٢ / ٤٦٤ ، الوسائل ١٥ : ٣٣ أبواب جهاد العدو ب ٨ ح ١.