أَنْفُسَهُمْ) أي يمدحونها ويصفونها بالزكاة والطهارة بأن يقولوا نحن أزكياء (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) ردّ الله ذلك عليهم وبيّن أن التزكية إليه يزكي من يشاء ، أي يطهّر من الذنب من يشاء. (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) معناه : لا يظلمون في تعذيبهم قوله (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في تحريفهم كتابه (وَكَفى بِهِ) أي كفى هو (إِثْماً مُبِيناً) أي وزرا بيّنّا.
٥١ ـ ٥٢ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) فالمعني بذلك كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود الذين كانوا معه ، بين الله أفعالهم القبيحة وضمّها إلى ما عدده فيما تقدم فقال : (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) يعني بهما الصنمين اللذين كانا لقريش وسجد لهما كعب بن الأشرف (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أبي سفيان وأصحابه (هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) محمد وأصحابه (سَبِيلاً) أي دينا ، عن عكرمة وجماعة من المفسرين ، وقيل : ان المعني بالآية حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ، وسلام بن أبي الحقيق ، في جماعة من علماء اليهود ، والجبت : الأصنام ، والطاغوت : تراجمة الأصنام الذين كانوا يتكلمون بالتكذيب عنها ، عن إبن عباس ، وقيل : الجبت : الساحر ، والطاغوت : الشيطان ، عن ابن زيد ، وقيل : الجبت : السحر عن مجاهد والشعبي ، وقيل : الجبت : الساحر ، والطاغوت الكاهن : عن أبي العالية وسعيد بن جبير وقيل : الجبت ابليس ، والطاغوت أولياؤه ، وقيل : هما كل ما عبد من دون الله من حجر أو صورة أو شيطان (أُولئِكَ) إشارة إلى الذين تقدم ذكرهم (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي ومن يلعنه الله (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) أي معينا يدفع عنه عقاب الله تعالى الذي أعدّه له.
٥٣ ـ ٥٥ ـ لما بيّن حكم اليهود بأن المشركين أهدى من النبي (ص) وأصحابه ، بيّن الله سبحانه أن الحكم ليس إليهم إذ الملك ليس لهم فقال : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) وهذا استفهام معناه الإنكار ، أي ليس لهم ذلك (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) أي لو أعطوا الدنيا وملكها لما أعطوا الناس من الحقوق قليلا ولا كثيرا (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) معناه : بل يحسدون الناس أراد به النبي (ص) حسدوه (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من النبوة فبيّن الله سبحانه ان النبوة ليست ببدع في آل ابراهيم (ع) وفي تفسير العياشي بإسناده عن أبي الصباح الكناني قال : قال أبو عبد الله (ع) يا أبا الصباح نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، ونحن الراسخون في العلم ، ونحن المحسودون الذي قال الله في كتابه أم يحسدون الناس الآية (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) يعني النبوة فلا معنى لحسدهم محمدا على هذا وهو من أولاد إبراهيم (ع) (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) المراد بالملك العظيم النبوة (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) فمن أهل الكتاب من آمن بمحمد (ص) (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أي أعرض عنه ولم يؤمن به (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) أي كفى هؤلاء المعرضين عنه عذاب جهنم نارا موقدة ايقادا شديدا.
٥٦ ـ ٥٧ ـ لما تقدّم ذكر المؤمن والكافر عقبه بذكر الوعد والوعيد على الإيمان والكفر فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي جحدوا حججنا ، وكذّبوا أنبياءنا ، ودفعوا الآيات الدالة على توحيدنا ، وصدق نبينا (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً) أي نلزمهم نارا نحرقهم فيها ، ونعذبهم بها (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) إن الله يجدد لهم جلودا غير الجلود التي احترقت عن قتادة (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) معناه : ليجدوا ألم العذاب ، وإنما قال ذلك ليبين أنهم كالمبتدأ عليهم العذاب في كل حالة فيحسون في كل حالة ألما (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً)