(مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ) أي أعذاق الرطب (دانِيَةٌ) أي قريبة المتناول دنت من الأرض (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) يعني وأخرجنا به أيضا جنات من أعناب : أي بساتين من أعناب (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) أي شجر الزيتون والرمان (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) أي مشتبها شجره يشبه بعضه بعضا وغير متشابه في الطعم (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) أي انظروا إلى خروج الثمار نظر الإعتبار (وَيَنْعِهِ) أي نضجه ، ومعناه : انظروا من ابتداء خروجه اذا أثمر إلى انتهائه اذا أينع وأدرك ، كيف تنتقل عليه الأحوال في الطعم واللون والرائحة ، والصغر والكبر ، ليستدلّوا بذلك على ان له صانعا مدبرا (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ) أي ان في خلق هذه الثمار والزروع مع إتقان جواهرها أجناسا مختلفة لا يشبه بعضها بعضا لدلالات على ان لها خالقا قصد إلى التمييز بينها قبل خلقها على علم بها ، وانها تكوّنت بخلقه وتدبيره (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأنهم يستدلون ، وبمعرفة مدلولاتها ينتفعون.
١٠٠ ـ ١٠١ ـ ثم ردّ سبحانه على المشركين ، وعجب من كفرهم مع هذه البراهين والحجج والبينات فقال : (وَجَعَلُوا) يعني المشركين (لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ) أخبر الله سبحانه انهم اتخذوا معه آلهة جعلوهم له اندادا (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ) أي اختلقوا وموّهوا وافتروا الكذب على الله ، ونسبوا البنين والبنات إلى لله ، فإن المشركين قالوا : الملائكة بنات الله ، والنصارى قالوا : المسيح بن الله ، واليهود قالوا : عزير بن الله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي بغير حجة ، جهلا منهم بالله وبعظمته تعالى (سُبْحانَهُ) أي تنزيها له عما يقولون (وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) من ادعائهم له شركاء ، واختراقهم له بنين وبنات ، أي هو يجل من ان يوصف بما وصفوه به (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مبدعهما ومنشئهما بعلمه ابتداءا لا من شيء ولا على مثال سبق (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) أي كيف يكون له ولد ، ومن أين يكون له ولد؟ (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) أي زوجة ، وإنما يكون الولد من النساء (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) في هذا نفي للصاحبة والولد ، فإن من خلق الأشياء لا يكون شيء من خلقه صاحبة له ولا ولدا (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم الأشياء كلها موجودها ومعدومها ، لا يخفى عليه خافية.
١٠٢ ـ ١٠٣ ـ لمّا قدّم سبحانه ذكر الأدلة على وحدانيته عقّبه بتنبيه عباده على انه الإله المستحق للطاعة والعبادة ، وتعليمهم الاستدلال بأفعاله عليه فقال : (ذلِكُمُ) أي ذلك الذي خلق هذه الأشياء ودبر هذه التدابير لكم أيها الناس هو (اللهُ رَبُّكُمْ) أي خالقكم ومالككم ومدبركم وسيدكم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أي كل مخلوق من الأجسام والأعراض التي لا يقدر عليها غيره (فَاعْبُدُوهُ) لأنه المستحق للعبادة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي حافظ ومدبر وحفيظ على خلقه ، فهو وكيل على الخلق (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) أي لا تراه العيون (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) معناه : انه يرى ولا يرى (وَهُوَ اللَّطِيفُ) قيل في معناه انه اللاطف بعباده بسبوغ الإنعام (الْخَبِيرُ) العليم بكل شيء من مصالح عباده فيدبرهم عليها ، وبأفعالهم فيجازيهم عليها.
١٠٤ ـ ١٠٥ ـ (قَدْ جاءَكُمْ) أيها الناس (بَصائِرُ) بينات ودلالات (مِنْ رَبِّكُمْ) تبصرون بها الهدى من الضلال ، وتميزون بها بين الحق والباطل ، ووصف البينة بأنها جاءت تفخيما لشأنها كما يقال : جاءت العافية ، وأقبل السعد (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) أي من تبين هذه الحجج بأن نظر فيها حتى أوجبت له العلم فمنفعة ذلك تعود إليه ، ولنفسه نظر (وَمَنْ عَمِيَ) فلم ينظر فيها وصدف عنها (فَعَلَيْها) أي على نفسه