لعبيده : ليس يخفى علي ما أنتم فيه ، ومثله قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ).
١٥٠ ـ (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) منصرفا عن التوجه إلى بيت المقدس (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) المراد : أين ما كنت من البلاد فتوجه نحوه من كل جهات الكعبة وسائر الأقطار وقوله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) معناه : لأن لا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة إذا لم تصلوا نحو المسجد الحرام بأن يقولوا : ليس هذا هو النبي المبشّر به ، إذ ذاك نبيّ يصلي بالقبلتين (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) يريد إلا الظالمين الذين يكتمون ما عرفوا من أنه يحول إلى الكعبة وقوله : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) لما ذكرهم بالظلم والخصومة والمحاجة طيب نفوس المؤمنين فقال : لا تخافوهم ولا تلتفتوا إلى ما يكون منهم ، فإن عاقبة السوء عليهم ولا حجة لأحد منهم عليكم ولا يد. وقوله (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم (ع) ، بين سبحانه أنه حول القبلة لهذين الغرضين : زوال القالة ، وتمام النعمة (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لكي تهتدوا ، ولعل من الله واجب.
١٥١ ـ قوله : (كَما أَرْسَلْنا) معناه : أن النعمة في أمر القبلة كالنعمة بالرسالة ، لأن الله تعالى لطف لعباده بها على ما يعلم من المصلحة ومحمود العاقبة وقوله : (رَسُولاً) يعني محمدا (ص) (مِنْكُمْ) بالنسب لأنه من العرب ، ووجه النعمة عليهم بكونه من العرب ما حصل لهم به من الشرف والذكر ، وإن العرب لم تكن لتتبع رسولا يبعث إليهم من غيرهم مع نخوتهم وعزتهم في نفوسهم ، فكون الرسول منهم يكون أدعى لهم إلى الإيمان به واتباعه وقوله : (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) أراد بها القرآن (وَيُزَكِّيكُمْ) ويعرضكم لما تكونون به أزكياء من الأمر بطاعة الله ، واتباع مرضاته (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) الكتاب القرآن ، والحكمة هي الوحي من السنة ، وما لا يعلم إلا من جهته من الأحكام ، وقوله : (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) أي ما لا سبيل لكم إلى علمه إلا من جهة السمع ، فذكرهم الله بالنعمة فيه.
١٥٢ ـ (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) معناه : اذكروني بطاعتي اذكركم برحمتي (وَاشْكُرُوا لِي) أي اشكروا نعمتي وأظهروها واعترفوا بها (وَلا تَكْفُرُونِ) ولا تستروا نعمتي.
١٥٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) أي بحبس النفس عما تشتهيه من المقبحات ، وحملها على ما تنفر عنه من الطاعات (وَالصَّلاةِ) لما فيها من الذكر والخشوع لله ، وتلاوة القرآن الذي يتضمن ذكر الوعد والوعيد ، والهدى والبيان ، وما هذه صفته يدعو إلى الحسنات ، ويزجر عن السيئات (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) المراد : هو معهم بالتوفيق والتسديد ، أي يسهل عليهم أداء العبادات ، والإجتناب من المقبحات ، ونظيره قوله سبحانه : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً).
١٥٤ ـ لما أمر الله سبحانه بالصبر والصلاة للإزدياد في القوة بهما على الجهاد قال : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) فنهى أن يسمى من قتل في الجهاد أمواتا (بَلْ أَحْياءٌ) أي بل هم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة ، (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) أي لا تعلمون أنهم أحياء.
١٥٥ ـ لما بيّن سبحانه ما كلّف عباده من العبادات عقّبه ببيان ما امتحنهم به من فنون المشقات فقال : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي ولنختبرنكم ومعناه : نعاملكم معاملة المختبر ليظهر المعلوم منكم (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ) أي بشيء من الخوف ، وشيء من الجوع ، وشيء من نقص الأموال ، وإنما عرفهم سبحانه ذلك ليوطنوا أنفسهم على