كَتَبَ اللهُ لَنا) أي كل ما يصيبنا من خير أو شرّ فهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ من أمرنا ، وليس على ما تظنون وتتوهّمون من إهمالنا (هُوَ مَوْلانا) أي هو ولينا وناصرنا يحفظنا وينصرنا ويتولى حياطتنا ودفع الضرر عنا (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين بالتوكل عليه ، والرضا بتدبيره وتقديره : فليتوكل على الله المؤمنون (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المنافقين (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) معناه : هل تنتظرون لنا إلا إحدى الخصلتين الحميدتين ، والنعمتين العظيمتين إما الغلبة والغنيمة في العاجل ، وإما الشهادة مع الثواب الدائم في الآجل (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ) أي ونحن نتوقع بكم (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا) أي يوقع الله بكم عذابا من عنده يهلككم به ، أو بأن ينصرنا عليكم فيقتلكم بأيدينا (فَتَرَبَّصُوا) صورته صورة أمر والمراد به التهديد كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) أي منتظرون إما الشهادة والجنة ، وإما الغنيمة والأجر لنا ، وإما البقاء في الذل والخزي ، وإما الموت أو القتل مع المصير إلى النار لكم وهذه تفسير لقوله تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا).
٥٣ ـ ٥٥ ـ ثم بيّن سبحانه أن هؤلاء المنافقين لا ينتفعون بما ينفقونه مع اقامتهم على الكفر فقال (قُلْ) يا محمد لهؤلاء (أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) أي طائعين أو مكرهين (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) معناه : وإنما لم يتقبل منكم لأنكم كنتم متمردين عن طاعة الله والله سبحانه إنما يتقبل من المؤمنين المخلصين (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) أي وما يمنع هؤلاء المنافقين أن يثابوا على نفقاتهم إلّا كفرهم بالله وبرسوله وذلك مما يحبط الأعمال ، ويمنع من استحقاق الثواب عليها (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) أي متثاقلين والمعنى : لم يؤدّوها على الوجه الذي أمروا أن يؤدّوها على ذلك الوجه (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) لذلك لأنهم إنما يصلون وينفقون للرياء والتستر بالإسلام ، لا لابتغاء مرضاة الله تعالى (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) الخطاب للنبي (ص) والمراد جميع المؤمنين وقيل : يريد لا تعجبك أيها السامع ، أي لا يأخذ بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين وكثرة أولادهم ، ولا تنظر إليهم بعين الإعجاب (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قد ذكر في معناه وجوه (أحدها) أن فيه تقديما وتأخيرا أي لا يسرك أموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عن ابن عباس وقتادة فيكون الظرف على هذا متعلقا بأموالهم وأولادهم ومثله قوله تعالى (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) (وثانيها) ان معناه إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف ، وأمرهم بالانفاق في الزكاة والغزو فيؤدونها على كره منهم ومشقة إذ لا يرجون به ثوابا في الآخرة فيكون ذلك عذابا لهم عن الحسن والبلخي (وثالثها) أن معناه : إنما يريد الله ليعذبهم بحفظها والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها عن ابن زيد (ورابعها) أن معناه : إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا أي : بسبي الأولاد ، وغنيمة الأموال عند تمكن المؤمنين من أخذها وغنمها فيتحسّرون عليها ، فيكون ذلك جزاء على كفرهم عن الجبائي (وخامسها) أن المراد : يعذبهم بجمعها وحفظها وحجبها ، والبخل بها ، والحزن عليها ، وكل هذا عذاب ، وكذلك خروجهم عنها بالموت لأنهم يفارقونها ولا يدرون إلى ماذا يصيرون واللام لام العاقبة والتقدير إنما يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) أي تهلك وتذهب بالموت (وَهُمْ كافِرُونَ) جملة في موضع الحال أي حال كونهم كافرين والإرادة تعلقت بزهوق أنفسهم لا بالكفر وهذا كما تقول أريد أن أضربه وهو عاص فالإرادة تعلقت بالضرب لا بالعصيان.
٥٦ ـ ٥٧ ـ ثم أظهر سبحانه سرّا من أسرار القوم فقال :