ويصرفها عمن يشاء (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) يعني أن هؤلاء الجهال مع مشاهدتهم لهذه الآيات ، يخاصمون أهل التوحيد ويحاولون فتلهم عن مذاهبهم بجدالهم (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد الأخذ (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) أى لله سبحانه دعوة الحق ، انها كلمة الإخلاص شهادة أن لا إله إلّا الله (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي والذين يدعوهم المشركون من دون الله لحاجاتهم من الأوثان وغيرها (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) هذا مثل ضربه الله لكل من عبد غير الله ودعاه رجاء أن ينفعه يقول : ان مثله كمثل رجل بسط كفيه إلى الماء من مكان بعيد ليتناوله ، ويسكن به غلته ، وذلك الماء لا يبلغ فاه لبعد المسافة بينهما ، فكذلك ما كان يعبده المشركون من الأصنام لا يصل نفعها إليهم ، ولا يستجيب دعاءهم (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي ليس دعاؤهم الأصنام من دون الله إلّا في ذهاب عن الحق والصواب. ثم بيّن سبحانه كمال قدرته ، وسعة مملكته فقال (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني الملائكة وسائر المكلفين (طَوْعاً وَكَرْهاً) المعنى : لله يخضع من في السماوات والأرض إلّا أن المؤمن يخضع له طوعا ، والكافر يخضع له كرها ، لأنه لا يمكنه أن يمتنع من الخضوع لله لما يحل به من الآلام والأسقام (وَظِلالُهُمْ) أي ويسجد ظلالهم لله (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي العشيات قيل : ان المراد بالظل الشخص فإن من يسجد يسجد ظله معه.
١٦ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي من مدبّرهما ومصرّفهما على ما فيهما من البدائع؟ فإذا استعجم عليهم الجواب ولا يمكنهم أن يقولوا الأصنام (قُلْ) أنت لهم رب السماوات والأرض وما بينهما من أنواع الحيوان والنباتات والجماد (اللهُ) فإذا أقرّوا بذلك (قُلْ) لهم على وجه التبكيت والتوبيخ لفعلهم (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) توجهون عبادتكم إليهم ، فالصورة صورة الإستفهام والمراد به التقريع ثم بيّن أن هؤلاء الذين اتخذوهم من دونه أولياء (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ومن لا يملك لنفسه ذلك فالأولى والأحرى أن لا يملك لغيره ، ومن كان كذلك فكيف يستحق العبادة؟! ثم ضرب لهم سبحانه مثلا بعد الزام الحجة فقال : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي كما لا يستوي الأعمى والبصير كذلك لا يستوي المؤمن والكافر ، لأن المؤمن يعمل على بصيرة ، ويعبد الله الذي يملك النفع والضر ، والكافر يعمل على عمى ويعبد من لا يملك النفع والضر ، ثم زاد في الإيضاح فقال : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) أي هل يستوي الكفر والإيمان ؛ أو الضلالة والهدى ، أو الجهل والعلم (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) أي هل جعل هؤلاء الكفار لله شركاء في العبادة خلقوا أفعالا مثل خلق الله تعالى من الأجسام والألوان والطعوم والقدرة والحياة (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) أي فاشتبه لذلك عليهم ما الذي خلق الله وما الذي خلق الأوثان ، فظنّوا أن الأوثان تستحق العبادة لأن أفعالها مثل أفعال الله (قُلْ) لهم (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) يستحق به العبادة من أصول النعم وفروعها (وَهُوَ الْواحِدُ) ومعناه : أنه يستحق من الصفات ما لا يستحقه غيره ، فهو قديم لذاته ، قادر لذاته ، عالم لذاته ، حيّ لذاته غنيّ لا مثل له ولا شبه ، وقيل : الواحد هو الذي لا يتجزأ ولا يتبعض ، وقيل : هو الواحد في الإلهية لا ثاني له في القدم (الْقَهَّارُ) الذي يقهر كل قادر سواه ، ولا يمتنع عليه شيء.
١٧ ـ ١٨ ـ ثم ضرب سبحانه مثلين للحق والباطل (احدهما) الماء وما يعلوه من الزبد (والآخر) ما توقد عليه النار من الذهب والفضة وغيرهما وما يعلوه من الزبد على ما رتّبه فقال (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) يعني فاحتمل الأنهار الماء كل نهر بقدره ، الصغير على قدر صغره ، والكبير على قدر كبره ، فسال كل نهر بقدره