فقال : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) اختلف في الوقت المأمور بالإنصات للقرآن والاستماع له فقيل : انه في الصلاة خاصة خلف الإمام الذي يؤتم به اذا سمعت قراءته ، وروي ذلك عن أبي جعفر (ع) وكان المسلمون يتكلمون في صلاتهم ، ويسلم بعضهم على بعض ، وإذا دخل داخل فقال لهم : كم صليتم أجابوه ، فنهوا عن ذلك وأمروا بالاستماع (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي لترحموا بذلك ، وباعتباركم به ، واتعاظكم بمواعظه (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) هو خطاب لمستمع القرآن والمعنى : واذكر ربك في نفسك بالكلام من التسبيح والتهليل والتحميد ، وروى زرارة عن أحدهما عليهماالسلام قال معناه : إذا كنت خلف الإمام تأتم به فانصت وسبّح في نفسك ، يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة وقيل معناه : واذكر نعمة ربك بالتفكر في نفسك بصفاته العليا ، واسمائه الحسنى (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) يعني بتضرع وخوف ، يعني في الدعاء ، فإن الدعاء بالتضرع والخوف من الله تعالى أقرب إلى الإجابة (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) معناه : ارفعوا أصواتكم قليلا ولا تجهروا بها جهارا بليغا حتى يكون عدلا بين ذلك كما قال : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي بالغدوات والعشيات ، والمراد به دوام الذكر واتصاله وقيل : إنما خص هذين الوقتين لأنهما حال فراغ القلب عن طلب المعاش ، فيكون الذكر فيهما الصق بالقلب (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) عما أمرتك به من الدعاء والذكر ، ثم ذكر سبحانه ما يبعث إلى الذكر ويدعو إليه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وهم : الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) معناه : انهم مع جلالة قدرهم ، وعلو أمرهم ، يعبدون الله ويذكرونه ، وفائدته : انكم إن استكبرتم عن عبادته فمن هو أعظم حالا منكم لا يستكبر عنها ، وإنما قال : (عِنْدَ رَبِّكَ) تشريفا للملائكة باضافتهم إلى نفسه ، ولم يرد به قرب المكان ، تعالى الله عن ذلك وتقدّس ، وقيل معناه : إنهم في المكان الذي شرّفه الله تعالى (وَيُسَبِّحُونَهُ) أي ينزّهونه عما لا يليق به (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) أي يخضعون وقيل : يصلون.
سورة الأنفال مدنية
عدد آياتها خمس وسبعون آية
١ ـ (يَسْئَلُونَكَ) أي يسألك يا محمد جماعة من أصحابك (عَنِ الْأَنْفالِ) اختلف المفسرون في الأنفال ههنا ، فقيل هي الغنائم التي غنمها النبي (ص) يوم بدر ، وهو المروي عن ابن عباس : وصحت الرواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا : إن الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال ، وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال ـ ويسميها الفقهاء فيئا ـ وميراث من لا وارث له ، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب ، والآجام ، وبطون الأودية والأرضون والموات ، وغير ذلك (قُلِ) يا محمد (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) سألوه أن يقسم غنيمة بدر بينهم ، فأعلمهم الله سبحانه أن ذلك لله ولرسوله دونهم ، وليس لهم في ذلك شيء ، وقال : (فَاتَّقُوا اللهَ) باتقاء معاصيه ، واتباع ما يأمركم به ، وما يأمركم به رسوله ، واحذروا مخالفة أمرهما (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي اصلحوا ما بينكم من الخصومة والمنازعة وقوله : (ذاتَ بَيْنِكُمْ) كناية عن المنازعة والخصومة ، والمراد : كونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي اقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها ومعناه : واطيعوهما فيما يأمرانكم به ، وينهيانكم عنه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مصدقين للرسول فيما يأتيكم به من قبل الله كما تدعون وروي أن رسول الله قسم غنائم بدر على سواء.