لأعلمك يا فرعون هالكا لكفرك وإنكارك عن قتادة وقيل : أعلمك ملعونا ، عن ابن عباس ، وقيل : مخبولا لا عقل لك ، عن ابن زيد (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) معناه : فأراد فرعون ان يزعج موسى ومن معه من أرض مصر وفلسطين والأردن بالنفي عنها (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ) من جنوده (جَمِيعاً) لم ينج منهم أحد ، ولم يهلك من بني إسرائيل أحد (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد هلاك فرعون وقومه (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) أي أرض مصر والشام (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) يعني يوم القيامة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) معناه : جئنا بكم من القبور إلى الموقف للحساب والجزاء مختلطين ، التف بعضكم ببعض لا تتعارفون ، ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) معناه : وبالحق أنزلنا القرآن عليك (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) القرآن وتأويله : أردنا بإنزال القرآن الحق والصواب ، وهو أن يؤمن به ، ويعمل بما فيه ، ونزل بالحق لأنه يتضمن الحقّ ويدعو إلى الحق (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) مبشرا بالجنة لمن أطاع ، ومنذرا بالنار لمن عصى.
١٠٦ ـ ١١١ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم فقال (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) أي وأنزلنا عليك يا محمد قرآنا فصّلناه سورا وآيات ، جعلنا بعضه خبرا ، وبعضه أمرا ، وبعضه نهيا ، وبعضه وعدا ، وبعضه وعيدا ، وأنزلناه متفرقا لم ننزله جميعا إذ كان بين أوله وآخره نيف وعشرين سنة (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) أي على تثبت وتؤدة فترتله ليكون أمكن في قلوبهم ، ويكونوا أقدر على التأمل والتفكر فيه ، ولا تعجل في تلاوته فلا يفهم عنك (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) على حسب الحاجة ، ووقوع الحوادث (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين (آمِنُوا بِهِ) أي بالقرآن (أَوْ لا تُؤْمِنُوا) فإن إيمانكم ينفعكم ولا ينفع غيركم ، وترككم الإيمان يضرّكم ولا يضر غيركم ، وهذا تهديد لم وهو جواب لقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا) (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) أي أعطوا علم التوراة من قبل نزول القرآن كعبد الله بن سلام وغيره فعلموا صفة النبي (ص) قبل مبعثه (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) القرآن (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) أي يسقطون على الوجوه ساجدين عن ابن عباس وقتادة إنما خصّ الذقن لأن من سجد كان أقرب شيء منه إلى الأرض ذقنه والذقن مجمع اللحيين (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) أي تنزيها لربنا عزّ اسمه عما يضيفه إليه المشركون (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) إنه كان وعد ربنا مفعولا حقا يقينا ، ولم يكن وعد ربنا إلّا كائنا (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) أي ويسجدون باكين إشفاقا من التقصير في العبادة ، وشوقا إلى الثواب ، وخوفا من العقاب (وَيَزِيدُهُمْ) ما في القرآن من المواعظ (خُشُوعاً) أي تواضعا لله تعالى ، واستسلاما لأمر الله وطاعته. ثم قال سبحانه (قُلِ) يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين نبوتك (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) وذكر في سببه ان النبي (ص) كان ساجدا ذات ليلة بمكة يدعو : يا رحمن يا رحيم فقال : المشركون هذا يزعم ان له إلها واحدا وهو يدعو مثنى مثنى (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) معناه : أيّ أسمائه تدعو وتقديره : أي شيء من أسمائه تدعونه به كان جائزا ، فإن معنى أوفي قوله : (أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الإباحة ، أي ان دعوتم باحدهما كان جائزا ، وان دعوت بهما كان جائزا ، فله الأسماء الحسنى : إن أسماءه تنبىء عن صفات حسنة ، وأفعال حسنة (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) معناه : لا تجهر بصلاتك كلها ، ولا تخافت بها كلها (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) بأن تجهر بصلاة الليل ، وتخافت بصلاة النهار (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) فيكون مربوبا لا ربا (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) فيكون عاجزا محتاجا إلى غيره ليعينه ، ولا يجوز أن يكون الإله بهذه الصفة (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) أي لم يكن له حليف حالفه لينصره على من يناوئه لأن ذلك من صفة الضعيف العاجز ، ولا يجوز أن يكون الإله بهذه الصفة (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) أي عظمه تعظيما لا يساويه تعظيم ولا يقاربه. ان