أنت كاذب على الله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي لا يعلمون انه من عند الله (قُلْ) يا محمد (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) أي أنزل الناسخ جبرائيل (ع) (مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) أي بالأمر الحق الصحيح الثابت (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) بما فيه من الحجج والآيات فيزدادوا تصديقا ويقينا ، ومعنى تثبيته : استدعاؤه لهم بألطافه ومعونته إلى الثبات على الإيمان والطاعة (وَهُدىً) أي وهو هدى (وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) أي بشارة لهم بالجنة والثواب (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) يقول سبحانه : إنا نعلم ان الكفار يقولون : ان القرآن ليس من عند الله وإنما يعلم النبي (ص) بشر قال إبن عباس : قالت قريش إنما يعلمه بلعام وكان قينا بمكة روميا نصرانيا ثم الزمهم الله تعالى الحجة وأكذبهم بأن قال (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ) أي لغة الذي يضيفون إليه التعليم ويميلون إليه القول أعجمية أي لسان هذا البشر الذي يزعمون انه يعلمك أعجمي لا يفصح ولا يتكلم بالعربية ، فكيف يتعلم منه ما هو في أعلى طبقات البيان (وَهذا) القرآن (لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) أي ظاهر بين لا يشكك ، يعني اذا كانت العرب تعجز عن الإتيان بمثله وهو بلغتهم فكيف يأتي الأعجمي بمثله؟ ثم اتبع سبحانه هذه الآية بذكر الوعيد للكفار على ما قالوه فقال (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) أي بحجج الله التي أظهرها والمعجزات التي صدق بها قومك يا محمد (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي لا يهديهم الى طريق الجنة بدلالة انه إنما نفى هداية من لا يؤمن فالظاهر انه أراد بذلك الهدى الذي يكون ثوابا على الإيمان لا الهداية التي في قوله فأما ثمود فهديناهم ثم بيّن سبحانه ان هؤلاء هم المفترون فقال (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) أي إنما يخترع الكذب الذين لا يصدقون بدلائل الله تعالى دون من آمن بها ، لأن الإيمان يحجز عن الكذب (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) لا أنت يا محمد ، فحصر فيهم الكذب بمعنى ان الكذب لازم لهم ، وعادة من عاداتهم وهذا كما تقول كذبت وأنت كاذب فيكون قولك أنت كاذب زيادة في الوصف بالكذب. وفي الآية زجر عن الكذب حيث أخبر سبحانه انه إنما يفتري الكذب من لا يؤمن ، وقد روي مرفوعا انه قيل : يا رسول الله المؤمن يزني؟ قال : قد يكون ذلك قيل : يا رسول الله المؤمن يسرق؟ قال : قد يكون ذلك قيل : يا رسول الله المؤمن يكذب؟ قال : لا ثم قرأ هذه الآية.
١٠٦ ـ النزول
نزل قوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) في جماعة أكرهوا ، وهم : عمّار وياسر أبوه وأمّه سميّة ، وصهيب وبلال وخبّاب عذبوا ، وقتل أبو عمار وأمه ، وأعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا منه ، ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال قوم : كفر عمّار ، فقال صلىاللهعليهوآله : كلّا ، ان عمارا ملىء إيمانا من قرنه الى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، وجاء عمار إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال ما وراءك؟ فقال : شرّ يا رسول الله ، ما تركت حتى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يمسح عينيه ويقول : إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ، فنزلت الآية ، عن ابن عباس وقتادة.
١٠٦ ـ ١١٠ ـ (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) بأن يرتد عن الإسلام ، وشرح بالكفر صدرا ، فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) فتكلم بكلمة الكفر على وجه التقية مكرها (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ) أي ساكن (بِالْإِيمانِ) ثابت عليه ، فلا حرج عليه في ذلك (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) أي من اتسع قلبه للكفر ، وطابت نفسه به (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ