(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي ذلّلهما لكم ، ومهّدهما لمنافعكم لتسكنوا في الليل ، ولتبتغوا في النهار من فضله (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) معناه : ان الإنسان قد يسأل الله العافية فيعطى ، ويسأله النجاة فيعطى ، ويسأله الغنى فيعطى ، ويسأله الولد والعز فيعطى ، ويسأله تيسير الأمور وشرح الصدور فيعطى ، فهذا في الجملة حاصل في الدعاء لله تعالى ما لم يكن فيه مفسدة في الدين أو على غيره (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) أي لا تقدروا على إحصائها لكثرتها (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) أي كثير الظلم لنفسه (كَفَّارٌ) أي كثير الكفران لنعم ربه.
٣٥ ـ ٤١ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) معناه : واذكر يا محمد إذ قال إبراهيم (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) يعني مكة وما حولها من الحرم وقيل ان إبراهيم عليهالسلام لما فرغ من بناء الكعبة دعا بهذا الدعاء وقد تقدّم تفسيره في سورة البقرة فاستجاب الله دعاء إبراهيم (ع) حتى كان الإنسان يرى قاتل أبيه فيها فلا يتعرض له ، ويدنو الوحش فيها من الناس فيأمن منهم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) أي والطف لي ولبنيّ لطفا نتجنب به عن عبادة الأصنام (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) معناه : ضلّ بسببهن وعبادتهن كثير من الناس (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) يريد فمن تبعني من ذريتي الذين أسكنتهم هذا البلد على ديني في عبادة الله وحده ، وترك عبادة الأصنام ، فإنه من جملتي ، وحاله كحالي (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي ساتر على العباد معاصيهم ، رحيم بهم في جميع أحوالهم ، منعم عليهم ، ثم حكى سبحانه تمام دعاء إبراهيم (ع) وأنه قال (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) أي أسكنت بعض أولادي. ولا خلاف أنه يريد إسماعيل (ع) مع أمه هاجر وهو أكبر ولده (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) يريد وادي مكة وهو الأبطح ، وإنما قال : (غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) لأنه لم يكن بها يومئذ ماء ولا زرع ولا ضرع (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) انما أضاف البيت إليه سبحانه لأنه مالكه لا يملكه أحد سواه وما عداه من البيوت قد ملكه غيره من العباد وإنما سمّاه المحرّم لأنه لا يستطيع أحد الوصول إليه إلّا بالإحرام (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي أسكنتهم هذا الوادي ليداوموا على الصلاة ، ويقيموا بشرائطها (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) هذا سؤال من إبراهيم (ع) أن يجعل الله قلوب الخلق تحن إلى ذلك الموضع ليكون في ذلك أنس لذريته بمن يرد عليهم من الوفود ، وليدر أرزاقهم على مرور الأوقات ، ولولا لطفه سبحانه بإمالة قلوب الناس إليه إما للدين كالحج والعمرة ، وإما للتجارة لما صحّ أن يعيش ساكنوه ، قال سعيد بن جبير : لو قال أفئدة الناس لحجّت اليهود والنصارى والمجوس ، ولكنه قال : من الناس فهم المسلمون ؛ وروى الفضل بن يسار عن الباقر عليهالسلام أنه قال : إنّما أمر الناس أن يطوفوا بهذه الأحجار ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ، ويعرضوا علينا نصرهم ، ثم قرأ هذه الآية وقيل : ان معنى تهوي إليهم : ينزع إليهم ويميل (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) أي لكي يشكروا لك ويعبدوك (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) هذا إعتراف من إبراهيم (ع) لله سبحانه بأنه يعلم ما يبطن الخلق وما يظهرونه ، وانه لا يخفى عليه شيء مما في الأرض والسماء وقيل : ان قوله : (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) إنما هو اخبار منه سبحانه بذلك ، وابتداء كلام من جهته لا على سبيل الحكاية عن إبراهيم (ع) بل هو اعتراض ، ثم عاد إلى حكاية كلام إبراهيم (ع) فقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) وهذا اعتراف منه بنعم الله سبحانه ، وحمد له على إحسانه بأن وهب له على كبر سنه ولدين ، قال ابن عباس : ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) أي قابله ومجيبه ، ويؤيده قوله : سمع الله لمن حمده