طرفه ، هو أن يقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى ، وكذلك اليد اليسرى مع الرجل اليمنى (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) أي لا أدع واحدا منكم إلّا صلبته (قالُوا) يعني السحرة جوابا لفرعون (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) أي راجعون إلى ربنا بالتوحيد والإخلاص والانقلاب إلى الله تعالى هو الانقلاب إلى جزائه ، وغرضهم بهذا القول التسلي في الصبر على الشدة لما فيه من المثوبة ، مع مقابلة وعيده بوعيد أشدّ منه وهو عقاب الله تعالى (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا) معناه : ما لنا عندك من ذنب ، ولا ركبنا منك مكروها تعذّبنا عليه إلّا إيماننا بآيات ربنا : وهي ما أتى به موسى (ع) آمنوا بها انها من عند الله ، لا يقدر على مثلها إلّا هو (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) أي أصب علينا الصبر عند القطع والصلب حتى لا نرجع كفارا ، والمراد : الطف لنا حتى نتصبر على عذاب فرعون ، ونتشجع عليه ولا نفزع منه (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) أي وفّقنا للثبات على الإيمان والإسلام إلى وقت الوفاة وقيل : مسلمين : مخلصين لله حتى لا يردنا البلاء عن ديننا ، قالوا : فصلبهم فرعون من يومه ، فكانوا أول النهار كفارا سحرة ، وآخر النهار شهداء بررة وقيل : أيضا : إنه لم يصل إليهم ، وعصمهم الله منه.
١٢٧ ـ (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ) لما أسلم السحرة تحريضا له على موسى (أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) أي اتتركهم أحياء ليظهروا خلافك ، ويدعو الناس إلى مخالفتك ليغلبوا عليك ، فيفسد به ملكك وأمرك ، وروي عن ابن عباس : أنه لما آمن السحرة اسلم من بني اسرائيل ستمائة الف نفس واتّبعوه (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ) فرعون (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) الذين يكون فيهم النجدة والقوة ، ويصلحون للقتال (وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) أي بناتهم نستبقيهن ـ إذا لا يكون فيهن نجدة وقوة ـ للمهنة والخدمة ، استذلالا لهنّ ، وإن كان فرعون قد انقطع طمعه عن قتل موسى وقومه فلم يقل : سأقتل موسى وقومه لما رأى من علوّ أمره ، وعظم شأنه ، فانتقل إلى عذاب المستضعفين منهم (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) ظاهر المعنى.
١٢٨ ـ ١٢٩ ـ قال ابن عباس : كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل ، فلما كان من أمر موسى ما كان أمر بإعادة القتل ، فشكا ذلك بنو إسرائيل إلى موسى ، فعند ذلك (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ) في دفع بلاء فرعون عنكم (وَاصْبِرُوا) على دينكم وعلى أذى فرعون (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي ينقلها إلى من يشاء نقل المواريث ، فيورثكم بعد اهلاك فرعون (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) معناه : تمسّكوا بالتقوى في الدنيا فإن حسن العاقبة في الدارين للمتقين (قالُوا) أي قال بنو اسرائيل لموسى (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) أي عذّبنا فرعون بقتل الأبناء ، واستخدام النساء قبل أن تأتينا بالرسالة (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) أيضا ، ويتوعدنا ويأخذ أموالنا ، ويكلفنا الأعمال الشاقّة ، فلن ننتفع بمجيئك (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) وعسى من الله واجب ومعناه : أوجب ربكم على نفسه أن يهلك عدوّكم فرعون وقومه (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي يملككم ما كانوا يملكونه في الأرض من بعدهم (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أي فيرى بوقوعه منكم ، لأن الله تعالى لا يجازي عباده على ما يعلمه منهم ، إنما يجازيهم على ما يقع منهم ، أي يبتليكم بالنعمة ليظهر شكركم ، كما ابتلاكم بالمحنة ليظهر صبركم ومثله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ).