من الذين قبلهم ، وكان الرجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول : يا بنيّ ان بقيت بعدي فلا تطيعن هذا المجنون ، وكانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتى تسيل مسامعه دما ، وحتى لا يعقل شيئا ما يصنع به ، فيحمل فيرمى به في بيت أو على باب داره مغشيا عليه ، فاوحى الله تعالى إليه : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ) ، (إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) ، فعندها اقبل على الدعاء عليهم ولم يكن دعا عليهم قبل ذلك ، فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ) إلى آخر السورة ، فاعقم الله تعالى اصلاب الرجال ، وارحام النساء ولبثوا أربعين سنة لا يولد لهم ولد ، وقحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم ، واصابهم ، الجهد والبلاء ، ثم قال لهم نوح : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) ، الآيات ، فاعذر إليهم فلم يزدادوا إلا كفرا ، حتى غرّقهم الله وآلهتهم التي كانوا يعبدونها.
٦٥ ـ ٧٢ ـ ثم عطف سبحانه على قصة نوح هود فقال : (وَإِلى عادٍ) وهو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح (أَخاهُمْ) يعني في النسب لا في الدين (هُوداً) وهو هود بن شالخ بن ارفحشد بن سام بن نوح (ع) ، وإنما قال : أخاهم لأنه ابلغ في الحجة عليهم إذا اختار للرسالة إليهم من هو من قبيلتهم ليكونوا إليه اسكن ، وبه آنس ، وعنه أفهم (قالَ) هود (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) قد مرّ تفسيره (أَفَلا تَتَّقُونَ) استفهام يراد به التقرير (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) قد مرّ تفسيره (إِنَّا لَنَراكَ) يا هود (فِي سَفاهَةٍ) في جهالة ومعناه : نراك سفيها (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي كذّبوه ظانين لا متيقنين (قالَ) هود (يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) أي لم يحملني على هذا الإخبار السفاهة (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) هذا تعليم من الله تعالى بأن لا يقابل السفهاء بالكلام القبيح ، ولكن يقتصر الإنسان على نفي ما أضيف اليه عن النفس (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) إنما قال رسالات هنا وفيما تقدم بلفظ الجمع لأن الرسالة متضمنة لأشياء كثيرة من الأمر والنهي والترغيب والترهيب والوعد والوعيد وغير ذلك ، فأتى بلفظ يدلّ عليها (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ) فيما ادعوكم إليه من طاعة الله وتوحيده (أَمِينٌ) أي ثقة مأمون في تأدية الرسالة فلا أكذب ولا اغير (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي لا عجب في أن جاءكم نبوة وقيل : معجزة وبيان (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) في النسب ، نشأ بينكم (لِيُنْذِرَكُمْ) ليخوّفكم (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) معناه : واذكروا نعمة الله عليكم بأن جعلكم سكان الأرض من بعد قوم نوح وهلاكهم بالعصيان (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) أي طولا وقوّة قال أبو جعفر الباقر (ع): كانوا كأنهم النخل الطوال ، وكان الرجل منهم ينحو الجبل بيديه فيهدم منه قطعة (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) أي نعم الله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لكي تفوزوا بنعيم الدنيا والآخرة (قالُوا أَجِئْتَنا) يا هود (لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ) عبادة (ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في أنك رسول الله إلينا ، وفي نزول العذاب بنا لو لم نترك عبادة الأصنام (قالَ) هود لقومه جوابا عما قالوه (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ) أي وجب عليكم وحلّ بكم لا محالة فهو كالواقع (مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ) أي عذاب (وَغَضَبٌ) والغضب من الله ارادة العذاب بمستحقيه (أَتُجادِلُونَنِي) أي اتناظرونني وتخاصمونني (فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) أي في أصنام صنعتموها أنتم وآباؤكم ، واخترعتم لها اسماء سمّيتموها آلهة (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي حجة وبرهان وبينة ، وعليكم البيّنة ، بما ادعيتم وسميتم وليس عليّ أن آتيكم بالبيّنة على ما تعبدون من دون الله ، بل ذلك عليكم ، وعليّ أن آتيكم بسلطان مبين ، إن الله تعالى هو المعبود ، ولا معبود سواه ، وإني رسوله (فَانْتَظِرُوا) عذاب الله فإنه نازل بكم (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ