أي ولتعلمن يا محمد هؤلاء اليهود (أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) أي أحرصهم على البقاء في الدنيا ، أشد من حرص سائر الناس (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي ولتجدنهم أحرص من الذين أشركوا وهم المجوس ، ومن لا يؤمن بالبعث وقوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) ذكر الألف لأنها نهاية ما كانت المجوس يدعو به بعضهم لبعض ، وتحيّى به الملوك يقولون : عش ألف نوروز وألف مهرجان فهؤلاء الذين يزعمون أن لهم الجنة لا يتمنون الموت وهم أحرص ممن لا يؤمن بالبعث ، لعلمهم بما أعدّ الله لهم في الآخرة من العذاب (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ) أي وما أحدهم بمنجيه من عذاب الله ولا بمبعده منه تعميره وهو أن يطول له البقاء ، لأنه لا بد للعمر من الفناء (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) أي عليم بأعمالهم لا يخفى عليه شيء منها.
٩٧ ـ ٩٨ ـ فأنزل الله تعالى هذه الآية جوابا لليهود وردّا عليهم فقال : (قُلْ) لهم يا محمد (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) إذ كان هو المنزل للكتاب عليك (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) لا من تلقاء نفسه ، وإنما اضافه إلى قلبه لأنه إذا أنزل عليه كان يحفظه ويفهمه بقلبه ، ومعنى قوله : (بِإِذْنِ اللهِ) ، بأمر الله وقوله : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) معناه : موافقا لما بين يديه من الكتب ، ومصدقا له بأنه حق (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أراد بالهدى الحرمة والثواب فلذلك خصه بالمؤمنين ، ومعنى البشرى : أن فيه البشارة لهم بالنعيم الدائم ، قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ) فمعناه : من كان معاديا لله ، أي يفعل فعل المعادي من المخالفة والعصيان ، وقوله : وملائكته أي ومعاديا لملائكته ورسله (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) وإنما عاد ذكرهما لفضلهما ومنزلتهما ، لأن اليهود قالت جبريل عدونا ، وميكائيل ولينا ثم قال : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) ولم يقل : فإنه كرّر اسم الله لئلا يظن أن الكناية راجعة إلى جبرائيل أو ميكائيل.
٩٩ ـ قوله : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) يا محمد (آياتٍ) يعني سائر المعجزات التي أعطيها النبي (ص) (بَيِّناتٍ) تفصل بين الحق والباطل (وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) ومعناه : الكافرون ، وإنما سمي الكفر فسقا لأن الفسق خروج من شيء إلى شيء ، واليهود خرجوا من دينهم وهو دين موسى (ع) بتكذيب النبي (ص).
١٠٠ ـ أخبر الله سبحانه عن اليهود أيضا فقال : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا) الله (عَهْداً) هي العهود التي كانت بين رسول الله (ص) وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير عاهدوا أن لا يعينوا عليه أحدا ، فنقضوا ذلك وأعانوا عليه قريشا يوم الخندق (نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي نقضه جماعة منهم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) أي أكثر المعاهدين (لا يُؤْمِنُونَ) غير مؤمنين.
١٠١ ـ (وَلَمَّا جاءَهُمْ) أي ولما جاء اليهود الذين كانوا في عصر النبي (ص) (رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يعني محمدا (ص) (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) مصدق لكتبهم من التوراة والإنجيل ، لأنه جاء على الصفة التي تقدمت بها البشارة وقوله : (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي ترك وألقى طائفة منهم ، وقوله : (كِتابَ اللهِ) يريد به القرآن ، وقوله : (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) كناية عن تركهم العمل به (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) المراد : انهم علموا وكتموا بغيا وعنادا.
١٠٢ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدم من أنه نبذ فريق من اليهود كتاب الله الذي في أيديهم وراء ظهورهم فقال : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) إنهم اليهود ، أي اقتدوا بما كانت تتلوا الشياطين ، أي تتبع وتعمل به (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) معناه : في ملك سليمان قوله : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) بيّن بهذا أن ما كانت