(بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) أي بعافية من السوء ، وتجارة رابحة (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) أي قتل (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) بالخروج إلى لقاء العدو (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) على المؤمنين ، وقد تضمنت الآية التنبيه على ان كل من دهمه أمر فينبغي أن يفزع إلى هذه الكلمة.
١٧٥ ـ ثمّ ذكر أنّ ذلك التخويف والتثبيط عن الجهاد من عمل الشيطان فقال : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) والمعنى : إنما ذلك التخويف الذي كان من نعيم بن مسعود من فعل الشيطان وباغوائه وتسويله يخوف أولياءه المؤمنين (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن كنتم مصدقين بالله فقد أعلمتكم أني أنصركم عليهم ، ومثله قوله : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) ، أي لينذركم ببأس شديد ، فلما حذف الجار نصبه ، وقيل معناه : ان الشيطان يخوّف المنافقين الذين هم أولياؤه ، وانهم هم الذين يخافون من ذلك التخويف ، بأن يوسوس إليهم ويرهبهم ، ويعظّم أمر العدو في قلوبهم فيقعدوا عن متابعة الرسول.
١٧٦ ـ ١٧٧ ـ لما علم الله تعالى المؤمنين ما يصلحهم عند تخويف الشيطان إياهم خصّ رسوله بضرب من التعليم في هذه الآية فقال : (وَلا يَحْزُنْكَ) أيها الرسول (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) يعني المنافقين (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) بكفرهم ونفاقهم وارتدادهم لأن الله تعالى لا يجوز عليه المنافع والمضار ، وإنما قال ذلك على جهة التسلية لنبيه (ص) لأنه كان يصعب عليه كفر هؤلاء ، ويعظم عليه امتناعهم عن الإيمان (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) أي نصيبا في الجنة (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ثم استأنف تعالى الاخبار بأن من اشترى الكفر بالإيمان وهم جميع الكفار بهذه الصفة فقال : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) أي استبدلوا الكفر بالإيمان (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) لاختصاص المضرة بالعاصي دون المعصيّ (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي مؤلم.
١٧٨ ـ ثمّ بيّن سبحانه أن إمهال الكفار لا ينفعهم إذا كان يؤدي إلى العقاب فقال : (وَلا يَحْسَبَنَ) أي لا يظنن (الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) أي انما نطيل عمرهم ، ونترك المعاجلة لعقوبتهم (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) أي لتكون عاقبة أمرهم بازديادهم الإثم (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يهينهم في عذاب جهنم.
١٧٩ ـ (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ليدع ومعناه : لا يدع الله المؤمنين (عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) يا أهل الكفر من الإبهام ، واشتباه المخلص بالمنافق ، أي لم يكن يجوز في حكم الله أن يذرهم على ما كنتم عليه قبل مبعث النبي بل يتعبدكم (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) أي المنافق من المخلص واختلف في أنه بأيّ شيء ميّز بين الخبيث والطيب فقيل : بالإمتحان ، وتكليف الجهاد ونحوه ، ممّا يظهر به الحال كما ظهر يوم أحد بأن ثبت المؤمنون ، وتخلّف المنافقون (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أي ما كان الله ليظهر على غيبه أحدا منكم فتعلموا ما في القلوب ان هذا مؤمن وهذا منافق (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) أي يختار من يشاء فيطلعه على الغيب ، أي يوقفه على علم الغيب ، ويعرفه إياه (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) كما أمركم (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) أي تصدقوا (وَتَتَّقُوا) عقابه بلزوم أمره ، واجتناب نهيه (فَلَكُمْ) في ذلكم (أَجْرٌ عَظِيمٌ) فيها دلالة على أن الثواب مستحق بالإيمان والتقوى.
١٨٠ ـ (وَلا يَحْسَبَنَ) الباخلون (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي أعطاهم الله من الأموال فيبخلون بإخراج الحقوق الواجبة فيها (هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ)