في تلقوه ورأيتموه راجعة إلى الموت ، أي من قبل أن تلقوا أسباب الموت وهو الحرب فقد رأيتموها ، لأن الموت لا يرى (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) انه تأكيد للرؤية كما يقال : رأيته عيانا ، فرأيته بعيني ، لأن لا يتوهم رؤية القلب.
١٤٤ ـ ثم بيّن سبحانه أنه لا ينبغي أن يترك أمر الله تعالى كان الرسول بين أظهرهم أو لم يكن فقال : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) يعني انه بشر اختاره الله لرسالته إلى خلقه قد مضت قبله رسل بعثوا فأدّوا الرسالة ومضوا وماتوا ، وقتل بعضهم ، وأنه يموت كما ماتت الرسل قبله ، فليس الموت بمستحيل عليه ولا القتل وقيل : أراد أن أصحاب الأنبياء لم يرتدوا عند موتهم أو قتلهم فاقتدوا بهم ، ثم أكد ذلك فقال : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) معناه : أفإن أماته الله ، أو قتله الكفار ارتددتم كفارا بعد إيمانكم ، فسمي الإرتداد انقلابا على العقب ، وهو الرجوع القهقرى ، لأن الردة خروج إلى أقبح الأديان ، كما ان الإنقلاب خروج إلى أقبح ما يكون من المشي (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) يعني من يرتد عن دينه (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) لأنه لا يجوز عليه المضار ، بل مضرته عائدة عليه لأنه مستحق للعقاب الدائم (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) أي يثيب الله الشاكرين على شكرهم لنعم الله ، واعترافهم بها.
١٤٥ ـ (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) إن فيه حضا على الجهاد من حيث لا يموت أحد إلا بإذن الله ، أي لا تتركوا الجهاد خشية القتل فإن ذلك لا يؤخر أجلا قد حضر ، ولا يقدّم الجهاد أجلا لم يحضر ، فلا معنى للإنهزام ، وقوله بإذن الله بعلم الله وقوله : (كِتاباً مُؤَجَّلاً) معناه : كتب الله لكل حي أجلا ووقتا لحياته ، ووقتا لموته لا يتقدم ولا يتأخر (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) من أراد بجهاده ثواب الدنيا وهو النصيب من الغنيمة نؤته منها ، فبيّن أن حصول الدنيا للإنسان ليس بموضع غبطة لأنها مبذولة للبر والفاجر (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) أي ومن يرد بالجهاد وأعماله ثواب الآخرة نؤته منها فلا ينبغي لأحد أن يطلب بطاعاته غير ثواب الله (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) أي نعطيهم جزاء الشكر.
١٤٦ ـ ١٤٨ ـ ثم أكّد سبحانه ما تقدم بقوله (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) أي وكم من رسول (قاتَلَ) أي حارب أو قتل (مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) هم علماء فقهاء صبّر (فَما وَهَنُوا) أي ما فتروا (وَمَا اسْتَكانُوا) أي وما خضعوا لعدوهم (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) في الجهاد قال : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) عند لقاء العدو (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) أي استرها علينا بترك عقابنا ومجازاتنا عليها (وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) أي تجاوزنا الحد ، وتفريطنا وتقصيرنا ، رغّب الله تعالى أصحاب الرسول في أن يقولوا هذا القول ولا يقولوا قولا يدل على الضعف فيطمع الأعداء فيهم (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) في جهاد عدوك بتقوية القلوب ، وفعل الألطاف التي معها تثبت الأقدام فلا تزول للإنهزام (وَانْصُرْنا) وأعنا (عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) بالقاء الرعب في قلوبهم ، وإمدادنا بالملائكة ، ثم بيّن تعالى ما آتاهم عقيب دعائهم فقال : (فَآتاهُمُ اللهُ) يعني الذين وصفهم أعطاهم الله (ثَوابَ الدُّنْيا) وهو نصرهم على عدوهم حتى ظفروا بهم وقهروهم وغلبوهم ونالوا منهم الغنيمة (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) وهو الجنة والمغفرة ؛ ويجوز أن يكون ما آتاهم في الدنيا من الظفر والفتح والنصر وأخذ الغنيمة ثوابا مستحقا لهم على طاعاتهم (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) في أقوالهم وأفعالهم.
١٤٩ ـ ١٥٠ ـ ثم أمر سبحانه بترك الإئتمار لمن ثبطهم عن الجهاد من الكفار وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا