أصحاب الكهف قال لهم : فإذا فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانبا ـ يعني عبدة الأصنام ـ وفارقتم ما يعبدون ـ يعني أصنامهم ـ إلا الله ، فإنكم لن تتركوا عبادته (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) أي صيروا إليه واجعلوه مأواكم (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أي يبسط عليكم ربكم من نعمته (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) أي ويسهّل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه ، ويأتيكم باليسر والرفق واللطف عن ابن عباس وكلما ارتفقت فهو مرفق وقيل : معناه ويصلح لكم من أمر معاشكم ما ترتفقون به.
١٧ ـ ١٨ ـ ثم بيّن سبحانه حالهم في الكهف فقال (وَتَرَى الشَّمْسَ) أي لو رأيتها لرأيت (إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ) أي تميل وقت طلوعها عن كهفهم إلى جهة اليمين (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ) أي تعدل عنهم وتتركهم (ذاتَ الشِّمالِ) إلى جهة الشمال شمال الكهف ، أي لا تدخل كهفهم وقيل : تقرضهم أي تجاوزهم منحرفة عنهم عن ابن عباس (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي في متسع من الكهف وقيل في فضاء منه عن قتادة وقيل كان متسعا داخل الكهف ، ثم أخبر سبحانه عن لطفه بهم ، وحفظه إياهم في مضجعهم ، واختياره لهم أصلح المواضع لرقادهم ، فبوّأهم مكانا من الكهف مستقبلا بنات النعش ، تميل الشمس عنهم طالعة وغاربة كيلا يؤذيهم حرّها ، أو تغير ألوانهم ، أو تبلي ثيابهم ، وهم في متسع ينالهم فيه روح الريح (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) أي من أدلته وبرهانه (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) مثل أصحاب الكهف (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) مثل قوم أصحاب الكهف (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) أي لو رأيتهم لحسبتهم منتبهين (وَهُمْ رُقُودٌ) أي نائمون في الحقيقة قال الجبائي وجماعة : لأنهم مفتحو العيون (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) معناه : ونقلبهم تارة عن اليمين إلى الشمال ، وتارة عن الشمال إلى اليمين كما يتقلب النائم ، لأنهم لو لم يتقلبوا لأكلتهم الأرض ، ولبليت ثيابهم لطول مكثهم على جانب واحد (وَكَلْبُهُمْ) قال إبن عباس وأكثر المفسرين انهم هربوا من ملكهم ليلا فمرّوا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعه كلبه (باسِطٌ ذِراعَيْهِ) هو ان يلقيهما على الأرض مبسوطتين كافتراش السبع (بِالْوَصِيدِ) أي بفنا الكهف (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) معناه : لو أشرفت عليهم ورأيتهم في كهفهم على حالتهم لفررت عنهم ، وأعرضت عنهم هربا لاستيحاشك الموضع (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) أي ولملىء قلبك خوفا وفزعا ، وذلك ان الله منعهم بالرعب لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم وقيل كانوا في مكان موحش من رآه فزع ، ولا يمتنع أن الكفار لما أتوا باب الكهف فزعوا من وحشة المكان ، فسدّوا باب الكهف ليهلكوا فيه ، وجعل سبحانه ذلك لطفا لئلا ينالهم مكروه من سبع وغيره ، وليكونوا محروسين من كل سوء.
١٩ ـ ٢٠ ـ (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) معناه : وكما فعلنا بهم الأمور العجيبة ، وحفظناهم تلك المدة المديدة ، بعثناهم من تلك الرقدة ، وأحييناهم من تلك النومة التي أشبهت الموت (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) أي ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف في مدة لبثهم ، فينتبهوا بذلك على معرفة صانعهم ، ويزدادوا يقينا إلى يقينهم (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) في نومكم (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قال المفسرون : انهم دخلوا الكهف غدوة ، وبعثهم الله في آخر النهار فلذلك قالوا : يوما ، فلما رأوا الشمس قالوا : أو بعض يوم ، وكان قد بقيت من النهار بقية (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) وهذا القائل هو تمليخا رئيسهم ، ردّ علم ذلك إلى الله تعالى (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) والورق : الدراهم ، وكان معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم (إِلَى الْمَدِينَةِ) يعني المدينة التي خرجوا منها (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) أي أطهر وأحل ذبيحة